و من خطبة له علیه السلام
قَدْ عَلِمَ السَّرَائِرَ وَ خَبَرَ الضَّمَائِرَ لَهُ الْإِحَاطَةُ
بِکُلِّ شَیْءٍ وَ الْغَلَبَةُ لِکُلِّ شَیْءٍ وَ الْقُوَّةُ عَلَى کُلِّ
شَیْءٍ فَلْیَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْکُمْ فِی أَیَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ
إِرْهَاقِ أَجَلِهِ وَ فِی فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغْلِهِ وَ فِی
مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ یُؤْخَذَ بِکَظَمِهِ وَ لْیُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ
وَ قَدَمِهِ وَ لْیَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ
فَاللَّهَ اللَّهَ أَیُّهَا النَّاسُ فِیمَا اسْتَحْفَظَکُمْ مِنْ
کِتَابِهِ وَ اسْتَوْدَعَکُمْ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
لَمْ یَخْلُقْکُمْ عَبَثاً وَ لَمْ یَتْرُکْکُمْ سُدًى وَ لَمْ یَدَعْکُمْ
فِی جَهَالَةٍ وَ لَا عَمًى قَدْ سَمَّى آثَارَکُمْ وَ عَلِمَ
أَعْمَالَکُمْ وَ کَتَبَ آجَالَکُمْ وَ أَنْزَلَ عَلَیْکُمُ الْکِتَابَ
تِبْیاناً (لِکُلِّ شَیْءٍ) وَ عَمَّرَ فِیکُمْ نَبِیَّهُ أَزْمَاناً
حَتَّى أَکْمَلَ لَهُ وَ لَکُمْ فِیمَا أَنْزَلَ مِنْ کِتَابِهِ دِینَهُ
الَّذِی رَضِیَ لِنَفْسِهِ وَ أَنْهَى إِلَیْکُمْ عَلَى لِسَانِهِ
مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَ مَکَارِهَهُ وَ نَوَاهِیَهُ وَ
أَوَامِرَهُ فَأَلْقَى إِلَیْکُمُ الْمَعْذِرَةَ وَ اتَّخَذَ عَلَیْکُمُ
الْحُجَّةَ وَ قَدَّمَ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ وَ أَنْذَرَکُمْ بَیْنَ
یَدَیْ عَذابٍ شَدِیدٍ فَاسْتَدْرِکُوا بَقِیَّةَ أَیَّامِکُمْ وَ
اصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَکُمْ فَإِنَّهَا قَلِیلٌ فِی کَثِیرِ الْأَیَّامِ
الَّتِی تَکُونُ مِنْکُمْ فِیهَا الْغَفْلَةُ وَ التَّشَاغُلُ عَنِ
الْمَوْعِظَةِ وَ لَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِکُمْ فَتَذْهَبَ بِکُمُ
الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الظَّلَمَةِ وَ لَا تُدَاهِنُوا فَیَهْجُمَ بِکُمُ
الْإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِیَةِ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ
لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ وَ إِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ
أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ وَ الْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ وَ
الْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِینُهُ وَ السَّعِیدُ مَنْ وُعِظَ
بِغَیْرِهِ وَ الشَّقِیُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ (وَ غُرُورِهِ) وَ
اعْلَمُوا أَنَّ یَسِیرَ الرِّیَاءِ شِرْکٌ وَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى
مَنْسَاةٌ لِلْإِیمَانِ وَ مَحْضَرَةٌ لِلشَّیْطَانِ جَانِبُوا الْکَذِبَ
فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِیمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَ
کَرَامَةٍ وَ الْکَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ وَ مَهَانَةٍ وَ لَا
تَحَاسَدُوا فَإِنَّ الْحَسَدَ یَأْکُلُ الْإِیمَانَ کَمَا تَأْکُلُ
النَّارُ الْحَطَبَ وَ لَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ وَ
اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ یُسْهِی الْعَقْلَ وَ یُنْسِی الذِّکْرَ
فَأَکْذِبُوا الْأَمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ وَ صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ