و من خطبة له علیه السلام
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَیْهِ عَبْداً
أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَ تَجَلْبَبَ
الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِی قَلْبِهِ وَ أَعَدَّ الْقِرَى
لِیَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِیدَ وَ
هَوَّنَ الشَّدِیدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ ذَکَرَ فَاسْتَکْثَرَ وَ ارْتَوَى
مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلًا وَ
سَلَکَ سَبِیلًا جَدَداً قَدْ خَلَعَ سَرَابِیلَ الشَّهَوَاتِ وَ تَخَلَّى
مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ
صِفَةِ الْعَمَى وَ مُشَارَکَةِ أَهْلِ الْهَوَى وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِیحِ
أَبْوَابِ الْهُدَى وَ مَغَالِیقِ أَبْوَابِ الرَّدَى قَدْ أَبْصَرَ
طَرِیقَهُ وَ سَلَکَ سَبِیلَهُ وَ عَرَفَ مَنَارَهُ وَ قَطَعَ غِمَارَهُ وَ
اسْتَمْسَکَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَ مِنَ الْحِبَالِ
بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ الْیَقِینِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ
نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِی أَرْفَعِ الْأُمُورِ مِنْ
إِصْدَارِ کُلِّ وَارِدٍ عَلَیْهِ وَ تَصْیِیرِ کُلِّ فَرْعٍ إِلَى
أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ کَشَّافُ عَشَوَاتٍ مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ
دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ دَلِیلُ فَلَوَاتٍ یَقُولُ فَیُفْهِمُ وَ یَسْکُتُ
فَیَسْلَمُ قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ
دِینِهِ وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ فَکَانَ
أَوَّلُ عَدْلِهِ نَفْیَ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ یَصِفُ الْحَقَّ وَ
یَعْمَلُ بِهِ لَا یَدَعُ لِلْخَیْرِ غَایَةً إِلَّا أَمَّهَا وَ لَا
مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا قَدْ أَمْکَنَ الْکِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ
فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ یَحُلُّ حَیْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ وَ یَنْزِلُ
حَیْثُ کَانَ مَنْزِلُهُ وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَیْسَ بِهِ
فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَ أَضَالِیلَ مِنْ ضُلَّالٍ وَ
نَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاکاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَ قَوْلٍ زُورٍ قَدْ
حَمَلَ الْکِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَ عَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ
یُؤَمِّنُ (النَّاسَ) مِنَ الْعَظَائِمِ وَ یُهَوِّنُ کَبِیرَ الْجَرَائِمِ
یَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَ فِیهَا وَقَعَ وَ یَقُولُ
أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَ بَیْنَهَا اضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ
إِنْسَانٍ وَ الْقَلْبُ قَلْبُ حَیَوَانٍ لَا یَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى
فَیَتَّبِعَهُ وَ لَا بَابَ الْعَمَى فَیَصُدَّ عَنْهُ وَ ذَلِکَ مَیِّتُ
الْأَحْیَاءِ فَأَیْنَ تَذْهَبُونَ وَ أَنَّى تُؤْفَکُونَ وَ الْأَعْلَامُ
قَائِمَةٌ وَ الْآیَاتُ وَاضِحَةٌ وَ الْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ فَأَیْنَ
یُتَاهُ بِکُمْ بَلْ کَیْفَ تَعْمَهُونَ وَ بَیْنَکُمْ عِتْرَةُ
نَبِیِّکُمْ وَ هُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ (وَ أَعْلَامُ الدِّینِ) وَ
أَلْسِنَةُ الصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ وَ
رِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِیمِ الْعِطَاشِ أَیُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا عَنْ
خَاتَمِ النَّبِیِّینَ صلى الله علیه واله و سلم إِنَّهُ یَمُوتُ مَنْ
مَاتَ مِنَّا وَ لَیْسَ بِمَیِّتٍ وَ یَبْلَى مَنْ بَلِیَ مِنَّا وَ لَیْسَ
بِبَالٍ فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ فَإِنَّ أَکْثَرَ الْحَقِّ
فِیمَا تُنْکِرُونَ وَ اعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَکُمْ عَلَیْهِ وَ
أَنَا هُوَ أَ لَمْ أَعْمَلْ فِیکُمْ بِالثَّقَلِ الْأَکْبَرِ وَ أَتْرُکْ
فِیکُمُ الثَّقَلَ الْأَصْغَرَ وَ رَکَزْتُ فِیکُمْ رَایَةَ الْإِیمَانِ وَ
وَقَفْتُکُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ وَ أَلْبَسْتُکُمُ
الْعَافِیَةَ مِنْ عَدْلِی وَ فَرَشْتُکُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِی وَ
فِعْلِی وَ أَرَیْتُکُمْ کَرَائِمَ الْأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِی فَلَا
تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْیَ فِیمَا لَا یُدْرِکُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ وَ لَا
یَتَغَلْغَلُ إِلَیْهِ الفکر
و منها حَتَّى یَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّ الدُّنْیَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِی
أُمَیَّةَ تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا وَ تُورِدُهُمْ صَفْوَهَا وَ لَا
یُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَ لَا سَیْفُهَا وَ کَذَبَ
الظَّانُّ لِذَلِکَ بَلْ هِیَ مَجَّةٌ مِنْ لَذِیذِ الْعَیْشِ
یَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ثُمَّ یَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً