و من خطبة له علیه السلام
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ
خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ تَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ وَ رَاقَتْ
بِالْقَلِیلِ وَ تَحَلَّتْ بِالْآمَالِ وَ تَزَیَّنَتْ بِالْغُرُورِ لَا
تَدُومُ حَبْرَتُهَا وَ لَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ
حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ أَکَّالَةٌ غَوَّالَةٌ لَا
تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِیَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِیهَا وَ
الرِّضَاءِ بِهَا أَنْ تَکُونَ کَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى کَماءٍ
أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ
هَشِیماً تَذْرُوهُ الرِّیاحُ وَ کانَ اللَّهُ عَلى کُلِّ شَیْءٍ
مُقْتَدِراً لَمْ یَکُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ
بَعْدَهَا عَبْرَةً وَ لَمْ یَلْقَ مِنْ سَرَّائِهَا بَطْناً إِلَّا
مَنَحَتْهُ مِنْضَرَّائِهَا ظَهْراً وَ لَمْ تَطُلَّهُ فِیهَا دِیمَةُ
رَخَاءٍ إِلَّا هَتَنَتْ عَلَیْهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ وَ حَرِیٌّ إِذَا
أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِیَ لَهُ مُتَنَکِّرَةً وَ إِنْ
جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَ احْلَوْلَى أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ
فَأَوْبَى لَا یَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً إِلَّا
أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً وَ لَا یُمْسِی مِنْهَا فِی
جَنَاحِ أَمْنٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ غَرَّارَةٌ غُرُورٌ
مَا فِیهَا فَانِیَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَیْهَا لَا خَیْرَ فِی شَیْءٍ مِنْ
أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا
یُؤْمِنُهُ وَ مَنِ اسْتَکْثَرَ مِنْهَا اسْتَکْثَرَ مِمَّا یُوبِقُهُ وَ
زَالَ عَمَّا قَلِیلٍ عَنْهُ کَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ وَ
ذِی طُمَأْنِینَةٍ إِلَیْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ وَ ذِی أُبَّهَةٍ قَدْ
جَعَلَتْهُ حَقِیراً وَ ذِی نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِیلًا سُلْطَانُهَا
دُوَلٌ وَ عَیْشُهَا رَنِقٌ وَ عَذْبُهَا أُجَاجٌ وَ حُلْوُهَا صَبِرٌ وَ
غِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَ أَسْبَابُهَا رِمَامٌ حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ وَ
صَحِیحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ مُلْکُهَا مَسْلُوبٌ وَ عَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ
وَ مَوْفُورُهَا مَنْکُوبٌ وَ جَارُهَا مَحْرُوبٌ أَ لَسْتُمْ فِی
مَسَاکِنِ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً وَ أَبْقَى آثَاراً
وَ أَبْعَدَ آمَالًا وَ أَعَدَّ عَدِیداً وَ أَکْثَفَ جُنُوداً تَعَبَّدُوا
لِلدُّنْیَا أَیَّ تَعَبُّدٍ وَ آثَرُوهَا أَیَّ إِیْثَارٍ ثُمَّ ظَعَنُوا
عَنْهَا بِغَیْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَ لَا ظَهْرٍ قَاطِعٍ فَهَلْ
بَلَغَکُمْ أَنَّ الدُّنْیَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْیَةٍ أَوْ
أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً بَلْ
أَرْهَقَتْهُمْ بِالْفَوَادِحِ وَ أَوْهَنَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ وَ
ضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَ
وَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ وَ أَعَانَتْ عَلَیْهِمْ رَیْبَ الْمَنُونِ
فَقَدْ رَأَیْتُمْ تَنَکُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَ آثَرَهَا وَ
أَخْلَدَ إِلَیْهَا حِینَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ وَ هَلْ
زَوَّدَتْهُمْ إِلَّا السَّغَبَ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْکَ أَوْ
نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلْمَةَ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلَّا
النَّدَامَةَ أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَیْهَا تَطْمَئِنُّونَ أَمْ
عَلَیْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ یَتَّهِمْهَا وَ
لَمْ یَکُنْ فِیهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا فَاعْلَمُوا- وَ أَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ- بِأَنَّکُمْ تَارِکُوهَا وَ ظَاعِنُونَ عَنْهَا وَ
اتَّعِظُوا فِیهَا بِالَّذِینَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلَا یُدْعَوْنَ رُکْبَاناً وَ أُنْزِلُوا
الْأَجْدَاثَ فَلَا یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً وَ جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ
أَجْنَانٌ وَ مِنَ التُّرَابِ أَکْفَانٌ وَ مِنَ الرُّفَاتِ جِیرَانٌ
فَهُمْ جِیرَةٌ لَا یُجِیبُونَ دَاعِیاً وَ لَا یَمْنَعُونَ ضَیْماً وَ لَا
یُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِیدُوا لَمْ یَفْرَحُوا وَ إِنْ قُحِطُوا
لَمْ یَقْنَطُوا جَمِیعٌ وَ هُمْ آحَادٌ وَ جِیرَةٌ وَ هُمْ أَبْعَادٌ
مُتَدَانُونَ لَا یَتَزَاوَرُونَ وَ قَرِیبُونَ لَا یَتَقَارَبُونَ
حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ وَ جُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ
أَحْقَادُهُمْ لَا یُخْشَى فَجْعُهُمْ وَ لَا یُرْجَى دَفْعُهُمْ
اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً وَ بِالسَّعَةِ ضِیقاً وَ
بِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَ بِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا کَمَا
فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى
الْحَیَاةِ الدَّائِمَةِ وَ الدَّارِ الْبَاقِیَةِ کَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ
کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنا إِنَّا کُنَّا
فاعِلِینَ