و من خطبة له علیه السلام
وَ أُحَذِّرُکُمُ الدُّنْیَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَ لَیْسَتْ
بِدَارِ نُجْعَةٍ وَ قَدْ تَزَیَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَ غَرَّتْ
بِزِینَتِهَا دَارٌ هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا
بِحَرَامِهَا وَ خَیْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَیَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ
حُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ یُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِیَائِهِ وَ
لَمْ یَضَنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ خَیْرُهَا زَهِیدٌ وَ شَرُّهَا
عَتِیدٌ وَ جَمْعُهَا یَنْفَدُ وَ مُلْکُهَا یُسْلَبُ وَ عَامِرُهَا
یَخْرَبُ فَمَا خَیْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وَ عُمْرٍ یَفْنَى
فِیهَا فَنَاءَ الزَّادِ وَ مُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّیْرِ
اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَیْکُمْ مِنْ طَلِبَتِکُمْ وَ
اسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَکُمْ وَ أَسْمِعُوا دَعْوَةَ
الْمَوْتِ آذَانَکُمْ قَبْلَ أَنْ یُدْعَى بِکُمْ إِنَّ الزَّاهِدِینَ فِی
الدُّنْیَا تَبْکِی قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِکُوا وَ یَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ
وَ إِنْ فَرِحُوا وَ یَکْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اغْتُبِطُوا
بِمَا رُزِقُوا قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِکُمْ ذِکْرُ الْآجَالِ وَ
حَضَرَتْکُمْ کَوَاذِبُ الْآمَالِ فَصَارَتِ الدُّنْیَا أَمْلَکَ بِکُمْ
مِنَ الْآخِرَةِ وَ الْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِکُمْ مِنَ الْآجِلَةِ وَ
إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِینِ اللَّهِ مَا فَرَّقَ بَیْنَکُمْ
إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ وَ سُوءُ الضَّمَائِرِ فَلَا تَوَازَرُونَ وَ
لَا تَنَاصَحُونَ وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ مَا بَالُکُمْ
تَفْرَحُونَ بِالْیَسِیرِ مِنَ الدُّنْیَا تُدْرِکُونَهُ وَ لَا
یَحْزُنُکُمُ الْکَثِیرُ مِنَ الْآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ وَ یُقْلِقُکُمُ
الْیَسِیرُ مِنَ الدُّنْیَا یَفُوتُکُمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ ذَلِکَ فِی
وُجُوهِکُمْ وَ قِلَّةِ صَبْرِکُمْ عَمَّا زُوِیَ مِنْهَا عَنْکُمْ
کَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِکُمْ وَ کَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَیْکُمْ وَ
مَا یَمْنَعُ أَحَدَکُمْ أَنْ یَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا یَخَافُ مِنْ
عَیْبِهِ إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ یَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ قَدْ
تَصَافَیْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ وَ حُبِّ الْعَاجِلِ وَ صَارَ دِینُ
أَحَدِکُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ صَنِیعُ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ
عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَى سَیِّدِهِ