و من خطبة له علیه السلام
أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِکْمَةٌ وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَةُ یَقْضِی
بِعِلْمٍ وَ یَعْفُو بِحِلْمٍ اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ عَلَى مَا
تَأْخُذُ وَ تُعْطِی وَ عَلَى مَا تُعَافِی وَ تَبْتَلِی حَمْداً یَکُونُ
أَرْضَى الْحَمْدِ لَکَ وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَیْکَ وَ أَفْضَلَ
الْحَمْدِ عِنْدَکَ حَمْداً یَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ وَ یَبْلُغُ مَا
أَرَدْتَ حَمْداً لَا یُحْجَبُ عَنْکَ وَ لَا یَقْصُرُ دُونَکَ حَمْداً لَا
یَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَ لَا یَفْنَى مَدَدُهُ فَلَسْنَا نَعْلَمُ کُنْهَ
عَظَمَتِکَ إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّکَ حَیٌّ قَیُّومُ لَا تَأْخُذُکَ
سِنَةٌ وَ لَا نَوْمٌ لَمْ یَنْتَهِ إِلَیْکَ نَظَرٌ وَ لَمْ یُدْرِکْکَ
بَصَرٌ أَدْرَکْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَیْتَ الْأَعْمَارَ وَ أَخَذْتَ
بِالنَّوَاصِی وَ الْأَقْدَامِ وَ مَا الَّذِی نَرَى مِنْ خَلْقِکَ وَ
نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِکَ وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِیمِ سُلْطَانِکَ وَ
مَا تَغَیَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ وَ انْتَهَتْ
عُقُولُنَا دُونَهُ وَ حَالَتْ سُتُورُ الْغُیُوبِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ
أَعْظَمُ فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَ أَعْمَلَ فِکْرَهُ لِیَعْلَمَ کَیْفَ
أَقَمْتَ عَرْشَکَ وَ کَیْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَکَ وَ کَیْفَ عَلَّقْتَ فِی
الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِکَ وَ کَیْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ
أَرْضَکَ رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِیراً وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً وَ سَمْعُهُ
وَالِهاً وَ فِکْرُهُ حَائِراً
منها َدَّعِی بِزُعْمِهِ أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ کَذَبَ وَ الْعَظِیمِ مَا
بَالُهُ لَا یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ فَکُلُّ مَنْ رَجَا
عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِی عَمَلِهِ )فَکُلُّ رَجَاءٍ(- إِلَّا رَجَاءَ
اللَّهِ- فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ کُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ
اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ یَرْجُو اللَّهَ فِی الْکَبِیرِ وَ یَجْجُو
الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِ فَیُعْطِی الْعَبْدَ مَا لَا یُعْطِی الرَّبَّ
فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ
لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَکُونَ فِی رَجَائِکَ لَهُ کَاذِباً أَوْ
تَکُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ کَذَلِکَ إِنْ هُوَ خَافَ
عَبْداً مِنْ عَبِیدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا یُعْطِی رَبَّهُ
فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ
خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً وَ کَذَلِکَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی
عَیْنِهِ وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ
فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا وَ لَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ
اللَّهِ- صلى الله علیه واله- کَافٍ لَکَ فِی الْأُسْوَةِ وَ دَلِیلٌ
لَکَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا وَ کَثْرَةِ مَخَازِیهَا وَ
مَسَاوِیهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَ وُطِّئَتْ لِغَیْرِهِ
أَکْنَافُهَا وَ فُطِمَ مِنْ رَضَاعِهَا وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا وَ
إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسَى کَلِیمِ اللَّهِ- صلى الله علیه- إِذْ
یَقُولُ رَبِّ إِنِّی لِما أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ وَ
اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً یَأْکُلُهُ لِأَنَّهُ کَانَ یَأْکُلُ
بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ کَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ
شَفِیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ وَ إِنْ
شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ- صلى الله علیه- صَاحِبِ الْمَزَامِیرِ وَ
قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَقَدْ کَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ
بِیَدِهِ وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَیُّکُمْ یَکْفِینِی بَیْعَهَا وَ
یَأْکُلُ قُرْصَ الشَّعِیرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِی
عِیسَى بْنِ مَرْیَمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ- فَلَقَدْ کَانَ یَتَوَسَّدُ
الْحَجَرَ وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ )وَ یَأْکُلُ الْجَشِبَ( وَ کَانَ
إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ وَ ظِلَالُهُ فِی
الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاکِهَتُهُ وَ
رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ
زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ یَحْزُنُهُ وَ لَا مَالٌ یَلْفِتُهُ وَ
لَا طَمَعٌ یُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ یَدَاه فَتَأَسَّ
بِنَبِیِّکَ الْأَطْیَبِ الْأَطْهَرِ صلى الله علیه واله فَإِنَّ فِیهِ
أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَ أَحَبُّ
الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّی بِنَبِیِّهِ وَ الْمُقْتَصُّ
لِأَثَرِهِ قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ
أَهْلِ الدُّنْیَا کَشْحاً وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً
عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا فَأَبَى أَنْ یَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَیْئاً
فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا
إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ
اللَّهُ لَکَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ
وَ لَقَدْ کَانَ- صلى الله علیه واله- یَأْکُلُ عَلَى الْأَرْضِ وَ
یَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ وَ یَرْقَعُ
بِیَدِهِ ثَوْبَهُ وَ یَرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ
وَ یَکُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ
فَیَقُولُ یَا فُلَانَةُ- لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ- غَیِّبِیهِ عَنِّی
فَإِنِّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا
فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِکْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ
وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ لِکَیْلَا یَتَّخِذَ
مِنْهَا رِیَاشاً وَ لَا یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لَا یَرْجُوَ فِیهَا
مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ
غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ وَ کَذَلِکَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ
أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ وَ أَنْ یُذْکَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ کَانَ فِی
رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله علیه واله- مَا یَدُلُّکُ عَلَى مَسَاوِی
الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِیَتْ
عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ
بِعَقْلِهِ أَ أَکْرَمَ اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِکَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ
قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ )وَ أَتَى
بِالْإِفْکِ الْعَظِیمِ( وَ إِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ فَلْیَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ وَ زَوَاهَا
عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ وَ
اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلَّا فَلَا یَأْمَنُ
الْهَلَکَةَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً- صلى الله علیه واله-
عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً
بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمِیصاً وَ وَرَدَ الْآخِرَةَ
سَلِیماً لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِیلِهِ وَ
أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِینَ
أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ
وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَعْتُ مِدْرَعَتِی هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْیَیْتُ مِنْ
رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِی قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْکَ
فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّی فَعِنْدَ الصَّبَاحِ یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى