و من خطبة له علیه السلام یذکر فیها عجیب خلقة الطاووس
ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِیباً مِنْ حَیَوَانٍ وَ مَوَاتٍ وَ سَاکِنٍ وَ
ذِی حَرَکَاتٍ وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَیِّنَاتِ عَلَى لَطِیفِ
صَنْعَتِهِ وَ عَظِیمِ قُدْرَتِهِ مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ
مُعْتَرِفَةً بِهِ وَ مَسَلِّمَةً لَهُ وَ نَعَقَتْ فِی أَسْمَاعِنَا
دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِیَّتِهِ وَ مَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ
الْأَطْیَارِ الَّتِی أَسْکَنَهَا أَخَادِیدَ الْأَرْضِ وَ خُرُوقَ
فِجَاجِهَا وَ رَوَاسِیَ أَعْلَامِهَا مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ
وَ هَیْئَاتٍ مُتَبَایِنَةٍ مُصَرَّفَةٍ فِی زِمَامِ التَّسْخِیرِ وَ
مُرَفْرَفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِی مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ وَ
الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ کَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَکُنْ فِی
عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ وَ رَکَّبَهَا فِی حِقَاقِ مَفَاصِلَ
مُحْتَجِبَةٍ وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ یَسْمُوَ فِی
الْهَوَاءِ خُفُوفاً وَ جَعَلَهُ یَدِفُّ دَفِیفاً وَ نَسَقَهَا عَلَى
اخْتِلَافِهَا فِی الْأَصَابِیغِ بِلَطِیفِ قُدْرَتِهِ وَ دَقِیقِ
صَنْعَتِهِ فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی قَالَبِ لَوْنٍ لَا یَشُوبُهُ غَیْرُ
لَوْنِ مَا غُمِسَ فِیهِ وَ مِنْهَا مَغْمُوسٌ فِی لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ
طُوِّقَ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بِهِ وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ
الَّذِی أَقَامَهُ فِی أَحْکَمِ تَعْدِیلٍ وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی
أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَ ذَنَبٍ أَطَالَ
مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ وَ سَمَا
بِهِ مظلًّا عَلَى رَأْسِهِ کَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ
یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَ یَمِیسُ بِزَیَفَانِهِ یُفْضِی کَإِفْضَاءِ
الدِّیَکَةِ وَ یَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ )أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ
لِلضِّرَابِ( أُحِیلُکَ مِنْ ذَلِکَ عَلَى مُعَایَنَةٍ لَا کَمَنْ یُحِیلُ
عَلَى ضَعِیفِ إِسْنَادِهِ وَ لَوْ کَانَ کَزُعْمِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ
یُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَنْسِجُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِی ضَفَّتَیْ
جُفُونِهِ وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِکَ ثُمَّ تَبِیضُ لَا مِنْ
لَقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ لَمَا کَانَ ذَلِکَ
بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِیَ مِنْ
فِضَّةٍ وَ مَا أُنْبِتَ عَلَیْهَا مِنْ عَجِیبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ
خَالِصَ الْعِقْیَانِ وَ فِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا
أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ جَنِىٌّ جُنِیَ مِنْ زَهْرَةِ کُلِّ رَبِیعٍ
وَ إِنْ ضَاهَیْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ کَمَوْشِیِّ الْحُلَلِ أَوْ
مُونِقِ عَصْبِ الْیَمَنِ وَ إِنْ شَاکَلْتَهُ بِالْحُلِیِّ فَهُوَ
کَفُصُوصِ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَیْنِ الْمُکَلَّلِ
یَمْشِی مَشْیَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَ یَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ
جَنَاحَیْهِ فَیُقَهْقِهُ ضَاحِکاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَ أَصَابِیغِ
وِشَاحِهِ فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلًا
بِصَوْتٍ یَکَادُ یُبِینُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَ یَشْهَدُ بِصَادِقِ
تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ کَقَوَائِمِ الدِّیَکَةِ
الْخِلَاسِیَّةِ وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِیصِیَةٌ
خَفِیَّةٌ وَ لَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءٌ مُوَشَّاةٌ
وَ مَخْرَجُ عُنُقِهِ کَالْإِبْرِیقِ وَ مَغْرِزُهَا إِلَى حَیْثُ
بَطْنُهُ کَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْیَمَانِیَّةِ أَوْ کَحَرِیرَةٍ
مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَ کَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ
أَسْحَمَ إِلَّا أَنَّهُ یُخَیَّلُ لِکَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ
بَرِیقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَ مَعَ
فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ کَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ
أَبْیَضُ یَقَقٌ فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوَادِ مَا هُنَالِکَ یَأْتَلِقُ
وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلَّا وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَ عَلَاهُ
بِکَثْرَةِ صِقَالِهِ وَ بَرِیقِهِ وَ بَصِیصِ دِیبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ
فَهُوَ کَالْأَزَاهِیرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِیعٍ
وَ لَا شُمُوسُ قَیْظٍ وَ قَدْ یَتَحَسَّرُ مِنْ رِیشِهِ وَ یَعْرَى مِنْ
لِبَاسِهِ فَیَسْقُطُ تَتْرَى وَ یَنْبُتُ تِبَاعاً فَیَنْحَتُّ مِنْ
قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ ثُمَّ یَتَلَاحَقُ نَامِیاً
حَتَّى یَعُودَ کَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا یُخَالِفُ سَالِفَ
أَلْوَانِهِ وَ لَا یَقَعُ لَوْنٌ فِی غَیْرِ مَکَانِهِ وَ إِذَا
تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْکَ حُمْرَةً
وَرْدِیَّةً وَ تَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً وَ أَحْیَاناً صُفْرَةً
عَسْجَدِیَّةً فَکَیْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هَذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ
أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ
أَقْوَالُ الْوَاصِفِینَ وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ
الْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِکَهُ وَ الْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ فَسُبْحَانَ
الَّذِی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقِ جَلَّاهُ لِلْعُیُونِ
فَأَدْرَکَتْهُ مَحْدُوداً مُکَوَّناً وَ مُؤَلَّفاً مُلَوَّناً وَ
أَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِیصِ صِفَتِهِ وَ قَعَدَ بِهَا عَنْ
تَأْدِیَةِ نَعْتِهِ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَ
الْهَمَجَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِیتَانِ وَ الْفِیلَةِ
وَ وَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا یَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِیهِ
الرُّوحَ إِلَّا وَ جَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ وَ الْفَنَاءَ غَایَتَهُ
منها فی صفة الجنة فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِکَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ
لَکَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُکَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى
الدُّنْیَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَ
لَذَهِلَتْ بِالْفِکْرِ فِی اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا
فِی کُثْبَانِ الْمِسْکِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَ فِی تَعْلِیقِ
کَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا وَ
طُلُوعِ تِلْکَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِی غُلُفِ أَکْمَامِهَا تُجْنَى
مِنْ غَیْرِ تَکَلُّفٍ فَتَأْتِی عَلَى مُنْیَةِ مُجْتَنِیهَا وَ یُطَافُ
عَلَى نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ
الْمُصَفَّقَةِ وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ
الْکَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَ
أَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَکَ أَیُّهَا
الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا یَهْجُمُ عَلَیْکَ مِنْ تِلْکَ
الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ لَزَهَقَتْ نَفْسُکَ شَوْقاً إِلَیْهَا وَ
لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هَذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ
اسْتِعْجَالًا بِهَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یَسْعَى
بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ
تفسیر بعض ما فی هذه الخطبة من الغریب قوله علیه السلام یؤر بملاقحه الأر
کنایة عن النکاح یقال أر الرجل المرأة یؤرها إذا نکحها و قوله علیه السلام
کأنه قلع داری عنجه نوتیه القلع شراع السفینة و داری منسوب إلى دارین و هی
بلدة على البحر یجلب منها الطیب و عنجه أی عطفه یقال عنجت الناقة کنصرت
أعنجها عنجا إذا عطفتها و النوتی الملاح و قوله علیه السلام ضفتی جفونه
أراد جانبی جفونه و الضفتان الجانبان و قوله علیه السلام و فلذ الزبرجد
الفلذ جمع فلذة و هی القطعة و الکبائس جمع الکباسة و هى العذق و العسالیج
الغصون واحدها عسلوج