و من خطبة له علیه السلام
انْتَفِعُوا بِبَیَانِ اللَّهِ وَ اتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ وَ
اقْبَلُوا نَصِیحَةَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَیْکُمْ
بِالْجَلِیَّةِ وَ أَخَذَ عَلَیْکُمُ الْحُجَّةَ وَ بَیَّنَ لَکُمْ
مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَ مَکَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ
وَ تَجْتَنِبُوا هَذِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله علیه واله کَانَ
یَقُولُ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَکَارِهِ وَ إِنَّ النَّارَ
حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ
شَیْءٌ إِلَّا یَأْتِی فِی کُرْهٍ وَ مَا مِنْ مَعْصِیَةِ اللَّهِ شَیْءٌ
إِلَّا یَأْتِی فِی شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا نَزَعَ عَنْ
شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ
شَیْءٍ مَنْزَعًا وَ إِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِیَةٍ فِی
هَوًى وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا یُمْسِی وَ لَا
یُصْبِحُ إِلَّا وَ نَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلَا یَزَالُ زَارِیاً
عَلَیْهَا وَ مُسْتَزِیداً لَهَا فَکُونُوا کَالسَّابِقِینَ قَبْلَکُمْ وَ
الْمَاضِینَ أَمَامَکُمْ قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْیَا تَقْوِیضَ الرَّاحِلِ
وَ طَوَوْهَا طَیَّ الْمَنَازِلِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ
النَّاصِحُ الَّذِی لَا یَغُشُّ وَ الْهَادِی الَّذِی لَا یُضِلُّ وَ
الْمُحَدِّثُ الَّذِی لَا یَکْذِبُ وَ مَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ
إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِیَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِیَادَةٍ فِی هُدًى وَ
نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ
الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَ لَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى
فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِکُمْ وَ اسْتَعِینُوا بِهِ عَلَى
لَأْوَائِکُمْ فَإِنَّ فِیهِ شِفَاءً مِنْ أَکْبَرِ الدَّاءِ وَ هُوَ
الْکُفْرُ وَ النِّفَاقُ وَ الْغَیُّ وَ الضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ
بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَیْهِ بِحُبِّهِ وَ لَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ
إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ
اعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ وَ مُصَدَّقٌ وَ أَنَّهُ
مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ شُفِّعَ فِیهِ وَ مَنْ
مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ صُدِّقَ عَلَیْهِ فَإِنَّهُ
یُنَادِی مُنَادٍ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلَا إِنَّ کُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلَى
فِی حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَیْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ فَکُونُوا
مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ وَ اسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّکُمْ وَ
اسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِکُمْ وَ اتَّهِمُوا عَلَیْهِ آرَاءَکُمْ وَ
اسْتَغِشُّوا فِیهِ أَهْوَاءَکُمْ الْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَایَةَ
النِّهَایَةَ وَ الِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ ثُمَّ الصَّبْرَ
الصَّبْرَ وَ الْوَرَعَ الْوَرَعَ إِنَّ لَکُمْ نِهَایَةً فَانْتَهُوا
إِلَى نِهَایَتِکُمْ وَ إِنَّ لَکُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِکُمْ وَ
إِنَّ لِلْإِسْلَامِ غَایَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَایَتِهِ وَ اخْرُجُوا
إِلَى اللَّهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ بَیَّنَ لَکُمْ
مِنْ وَظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَکُمْ وَ حَجِیجٌ یَوْمَ الْقِیَامَةِ
عَنْکُمْ أَلَا وَ إِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ وَ الْقَضَاءَ
الْمَاضِی قَدْ تَوَرَّدَ وَ إِنِّی مُتَکَلِّمٌ بِعِدَةِ اللَّهِ وَ
حُجَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِینَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلائِکَةُ أَنْ لَا
تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِی کُنْتُمْ
تُوعَدُونَ وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِیمُوا عَلَى
کِتَابِهِ وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَ عَلَى الطَّرِیقَةِ الصَّالِحَةِ
مِنْ عِبَادَتِهِ ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا وَ لَا تَبْتَدِعُوا
فِیهَا وَ لَا تُخَالِفُوا عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ
بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ثُمَّ إِیَّاکُمْ وَ تَهْزِیعَ
الْأَخْلَاقِ وَ تَصْرِیفَهَا وَ اجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً وَ
لِیَخْتَزِنَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ
بِصَاحِبِهِ وَ اللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً یَتَّقِی تَقْوَى تَنْفَعُهُ
حَتَّى یَخْتَزِنَ لِسَانَهُ وَ إِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ
قَلْبِهِ وَ إِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ
الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ یَتَکَلَّمَ بِکَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِی
نَفْسِهِ فَإِنْ کَانَ خَیْراً أَبْدَاهُ وَ إِنْ کَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَ
إِنَّ الْمُنَافِقَ یَتَکَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لَا یَدْرِی
مَا ذَا لَهُ وَ مَا ذَا عَلَیْهِ وَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله علیه واله لَا یَسْتَقِیمُ إِیمَانُ عَبْدٍ حَتَّى یَسْتَقِیمَ
قَلْبُهُ وَ لَا یَسْتَقِیمُ قَلْبُهُ حَتَّى یَسْتَقِیمَ لِسَانُهُ فَمَنِ
اسْتَطَاعَ مِنْکُمْ أَنْ یَلْقَى اللَّهَ وَ هُوَ نَقِیُّ الرَّاحَةِ
مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِینَ وَ أَمْوَالِهِمْ سَلِیمُ اللِّسَانِ مِنْ
أَعْرَاضِهِمْ فَلْیَفْعَلْ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ
الْمُؤْمِنَ یَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَ
یُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وَ أَنَّ مَا أَحْدَثَ
النَّاسُ لَا یُحِلُّ لَکُمْ شَیْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَیْکُمْ وَ لَکِنِ
الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَ الْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ
جَرَّبْتُمُ الْأُمُورَ وَ ضَرَّسْتُمُوهَا وَ وُعِظْتُمْ بِمَنْ کَانَ
قَبْلَکُمْ وَ ضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ لَکُمْ وَ دُعِیتُمْ إِلَى الْأَمْرِ
الْوَاضِحِ فَلَا یَصَمُّ عَنْ ذَلِکَ إِلَّا أَصَمُّ وَ لَا یَعْمَى
عَنْهُ إِلَّا أَعْمَى وَ مَنْ لَمْ یَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ وَ
التَّجَارِبِ لَمْ یَنْتَفِعْ بِشَیْءٍ مِنَ الْعِظَةِ وَ أَتَاهُ
التَّقْصِیرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى یَعْرِفَ مَا أَنْکَرَ وَ یُنْکِرَ مَا
عَرَفَ فَإِنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً وَ مُبْتَدِعٌ
بِدْعَةً لَیْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانُ سُنَّةٍ وَ لَا ضِیَاءُ
حُجَّةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِینُ وَ سَبَبُهُ الْأَمِینُ
وَ فِیهِ رَبِیعُ الْقَلْبِ وَ یَنَابِیعُ الْعِلْمِ وَ مَا لِلْقَلْبِ
جِلَاءٌ غَیْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَکِّرُونَ وَ بَقِیَ
النَّاسُونَ وَ الْمُتَنَاسُونَ فَإِذَا رَأَیْتُمْ خَیْراً فَأَعِینُوا
عَلَیْهِ وَ إِذَا رَأَیْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ- صلى الله علیه واله- کَانَ یَقُولُ یَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ
الْخَیْرَ وَ دَعِ الشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ (أَلَا وَ
إِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ فَظُلْمٌ لَا یُغْفَرُ وَ ظُلْمٌ لَا یُتْرَکُ
وَ ظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا یُطْلَبُ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی لَا یُغْفَرُ
فَالشِّرْکُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّ اللَّهَ لا
یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِی یُغْفَرُ
فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ وَ أَمَّا الظُّلْمُ
الَّذِی لَا یُتْرَکُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً) الْقِصَاصُ
هُنَاکَ شَدِیدٌ لَیْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى وَ لَا ضَرْباً
بِالسِّیَاطِ وَ لَکِنَّهُ مَا یُسْتَصْغَرُ ذَلِکَ مَعَهُ فَإِیَّاکُمْ وَ
التَّلَوُّنَ فِی دِینِ اللَّهِ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِیمَا تَکْرَهُونَ
مِنَ الْحَقِّ خَیْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ فِیمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ وَ
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ یُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَیْراً مِمَّنْ
مَضَى وَ لَا مِمَّنْ بَقَی یَا أَیُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ
عَیْبُهُ عَنْ عُیُوبِ النَّاسِ وَ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَیْتَهُ وَ
أَکَلَ قُوتَهُ وَ اشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ بَکَى عَلَى خَطِیئَتِهِ
فَکَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِی شُغلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ