و من خطبة له علیه السلام
یَعْلَمُ عَجِیجَ الْوُحُوشِ فِی الْفَلَوَاتِ وَ مَعَاصِیَ الْعِبَادِ فِی
الْخَلَوَاتِ وَ اخْتِلَافَ النِّینَانِ فِی الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَ
تَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّیَاحِ الْعَاصِفَاتِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّداً نَجِیبُ اللَّهِ وَ سَفِیرُ وَحْیِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ
أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِیکُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِی ابْتَدَأَ
خَلْقَکُمْ وَ إِلَیْهِ یَکُونُ مَعَادُکُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِکُمْ
وَ إِلَیْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِکُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِیلِکُمْ وَ
إِلَیْهِ مَرَامِی مَفْزَعِکُمْ فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ
قُلُوبِکُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِکُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ
أَجْسَادِکُمْ وَ صَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِکُمْ وَ طَهُورُ دَنَسِ
أَنْفُسِکُمْ وَ جِلَاءُ غِشَاءِ أَبْصَارِکُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ
جَأْشِکُمْ وَ ضِیَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِکُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ
شِعَاراً دُونَ دِثَارِکُمْ وَ دَخِیلًا دُونَ شِعَارِکُمْ وَ لَطِیفاً
بَیْنَ أَضْلَاعِکُمْ وَ أَمِیراً فَوْقَ أُمُورِکُمْ وَ مَنْهَلًا لِحِینِ
وَرُودِکُمْ وَ شَفِیعاً لِدَرْکِ طَلِبَتِکُمْ وَ جُنَّةً لِیَوْمِ
فَزَعِکُمْ وَ مَصَابِیحَ لِبُطُونِ قُبُورِکُمْ وَ سَکَناً لِطُولِ
وَحْشَتِکُمْ وَ نَفَساً لِکُرَبِ مَوَاطِنِکُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ
حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُکْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ
نِیرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ
الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ
مَرَارَتِهَا وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاکُمِهَا وَ
أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَ هَطَلَتْ عَلَیْهِ
الْکَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا وَ تَحَدَّبَتْ عَلَیْهِ الرَّحْمَةُ
بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَیْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ
وَبَلَتْ عَلَیْهِ الْبَرَکَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِی نَفَعَکُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَکُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ
امْتَنَّ عَلَیْکُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَکُمْ لِعِبَادَتِهِ
وَ اخْرُجُوا إِلَیْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا
الْإِسْلَامَ دِینُ اللَّهِ الَّذِی اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ اصْطَنَعَهُ
عَلَى عَیْنِهِ وَ أَصْفَاهُ خِیَرَةَ خَلْقِهِ وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ
عَلَى مَحَبَّتِهِ أَذَلَّ الْأَدْیَانَ بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ الْمِلَلَ
بِرَفْعِهِ وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِکَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّیهِ
بِنَصْرِهِ وَ هَدَمَ أَرْکَانَ الضَّلَالَةِ بِرُکْنِهِ وَ سَقَى مَنْ
عَطِشَ مِنْ حِیَاضِهِ وَ أَتْأَقَ الْحِیَاضَ بِمَوَاتِحِهِ ثُمَّ
جَعَلَهُ لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لَا فَکَّ لِحَلْقَتِهِ وَ لَا
انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لَا انْقِلَاعَ
لِشَجَرَتِهِ وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَ لَا عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ
وَ لَا جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَ لَا ضَنْکَ لِطُرُقِهِ وَ لَا وُعُوثَةَ
لِسُهُولَتِهِ وَ لَا سَوَادَ لِوَضَحِهِ وَ لَا عِوَجَ لِانْتِصَابِهِ وَ
لَا عَصَلَ فِی عُودِهِ وَ لَا وَعْثَ لِفَجِّهِ وَ لَا انْطِفَاءَ
لِمَصَابِیحِهِ وَ لَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِهِ
فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِی الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا وَ ثَبَّتَ لَهَا
أَسَاسَهَا وَ یَنَابِیعُ غَزُرَتْ عُیُونُهَا وَ مَصَابِیحُ شُبَّتْ
نِیرَانُهَا وَ مَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَ أَعْلَامٌ قُصِدَ
بِهَا فِجَاجُهَا وَ مَنَاهِلُ رَوِیَ بِهَا وُرَّادُهَا جَعَلَ اللَّهُ
فِیهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ
فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَثِیقُ الْأَرْکَانِ رَفِیعُ الْبُنْیَانِ مُنِیرُ
الْبُرْهَانِ مُضِیءُ النِّیرَانِ عَزِیزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ
الْمَنَارِ مُعْوِذُ الْمَثَارِ فَشَرِّفُوهُ وَ اتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا
إِلَیْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ
بَعَثَ مُحَمَّداً- صلى الله علیه واله- بِالْحَقِّ حِینَ دَنَا مِنَ
الدُّنْیَا الِانْقِطَاعُ وَ أَقْبَلَ مِنَ الْآخِرَةِ الِاطِّلَاعُ وَ
أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَ قَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى
سَاقٍ وَ خَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَ أَزِفَ مِنْهَا قِیَادٌ فِی انْقِطَاعٍ
مِنْ مُدَّتِهَا وَ اقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَ تَصَرُّمٍ مِنْ
أَهْلِهَا وَ انْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا وَ انْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَ
عَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا وَ تَکَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَ قِصَرٍ مِنْ
طُولِهَا جَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ وَ
کَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِیعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً
لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْهِ
الْکِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِیحُهُ وَ سِرَاجاً لَا یَخْبُو
تَوَقُّدُهُ وَ بَحْراً لَا یُدْرَکُ قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجاً لَا یَضِلُّ
نَهْجُهُ وَ شُعَاعاً لَا یُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَ فُرْقَاناً لَا یَخْمَدُ
بُرْهَانُهُ وَ بُنْیَانًا لَا تُهْدَمُ أَرْکَانُهُ وَ شِفَاءً لَا
تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَ حَقّاً لَا
تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ
فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِیمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ وَ یَنَابِیعُ الْعِلْمِ وَ
بُحُورُهُ وَ رِیَاضُ الْعَدْلِ وَ غُدْرَانُهُ وَ أَثَافِیُّ الْإِسْلَامِ
وَ بُنْیَانُهُ وَ أَوْدِیَةُ الْحَقِّ وَ غِیطَانُهُ وَ بَحْرٌ لَا
یَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ وَ عُیُونٌ لَا یُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ
وَ مَنَاهِلُ لَا یُغِیضُهَا الْوَارِدُونَ وَ مَنَازِلُ لَا یَضِلُّ
نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلَامٌ لَا یَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ
وَ آکَامٌ لَا یَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اللَّهُ رِیّاً
لَعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَ رَبِیعاً لَقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَ مَحَاجَّ
لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَیْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَ نُوراً لَیْسَ
مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلًا وَثِیقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلًا مَنِیعاً
ذِرْوَتُهُ وَ عِزّاً لَمَنْ تَوَلَّاهُ وَ سِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَ
هُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَ بُرْهَاناً
لِمَنْ تَکَلَّمَ بِهِ وَ شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَ فَلْجاً لِمَنْ
حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِیَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ
وَ آیَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَ جُنَّةً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ وَ عِلْماً
لِمَنْ وَعَى وَ حَدِیثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُکْماً لِمَنْ قَضَى