و من کلام له علیه السلام قاله بعد تلاوته- أَلْهاکُمُ التَّکاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ-
یَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَ خَطَراً
مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَیَّ مُدَّکِرٍ وَ
تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍ أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ
یَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِیدِ الْهَلْکَى یَتَکَاثَرُونَ یَرْتَجِعُونَ
مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَکَاتٍ سَکَنَتْ وَ لَأَنْ یَکُونُوا
عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَکُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ یَهْبِطُوا
بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ یَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ
عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا
مِنْهُمْ فِی غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ
تِلْکَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَةِ لَقَالَتْ
ذَهَبُوا فِی الْأَرْضِ ضُلَّالًا وَ ذَهَبْتُمْ فِی أَعْقَابِهِمْ
جُهَّالًا تَطَئُونَ فِی هَامِهِمْ وَ تَسْتَثْبِتُونَ فِی أَجْسَادِهِمْ
وَ تَرْتَعُونَ فِیمَا لَفَظُوا وَ تَسْکُنُونَ فِیمَا خَرَّبُوا وَ
إِنَّمَا الْأَیَّامُ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ بَوَاکٍ وَ نَوَائِحُ
عَلَیْکُمْ أُولَئِکَ سَلَفُ غَایَتِکُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِکُمْ
الَّذِینَ کَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ
مُلُوکاً وَ سُوَقاً سَلَکُوا فِی بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِیلًا سُلِّطَتِ
الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فِیهِ فَأَکَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ
دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا
یَنُمُّونَ وَ ضِمَاراً لَا یُوجَدُونَ لَا یُفْزِعُهُمْ وُرُودُ
الْأَهْوَالِ وَ لَا یَحْزُنُهُمْ تَنَکُّرُ الْأَحْوَالِ وَ لَا
یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لَا یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُیَّباً لَا
یُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لَا یَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا کَانُوا جَمِیعاً
فَتَشَتَّتُوا وَ أُلَّافًا فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ
لَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِیَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِیَارُهُمْ وَ
لَکِنَّهُمْ سُقُوا کَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ
بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَکَاتِ سُکُوناً فَکَأَنَّهُمْ فِی
ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ جِیرَانٌ لَا یَتَانَسُونَ وَ
أَحِبَّاءٌ لَا یَتَزَاوَرُونَ بَلِیَتْ بَیْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وَ
انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَکُلُّهُمْ وَحِیدٌ وَ هُمْ
جَمِیعٌ وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلَّاءُ لَا یَتَعَارَفُونَ
لِلَیْلٍ صَبَاحاً وَ لَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ ظَعَنُوا
فِیهِ کَانَ عَلَیْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ
أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا
قَدَّرُوا فَکِلْتَا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ
فَأَتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ کَانُوا یَنْطِقُونَ
بِهَا لَعَیُوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَایَنُوا وَ لَئِنْ
عَمِیَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِیهِمْ
أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ
تَکَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا کَلَحَتِ الْوُجُوهُ
النَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ
الْبِلَى وَ تَکَاءَدَنَا ضِیقُ الْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ
وَ تَهَکَّمَتْ عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ
أَجْسَادِنَا وَ تَنَکَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِی مَسَاکِنِ
الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ کَرْبٍ فَرَجاً وَ لَا مِنْ
ضِیقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِکَ أَوْ کُشِفَ عَنْهُمْ
مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَکَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ
بِالْهَوَامِّ فَاسْتَکَّتْ وَ اکْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب
فَخَسَفَتْ وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ
ذَلَاقَتِهَا وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقَظَتِهَا
وَ عَاثَ فِی کُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِیدُ بِلًى سَمَّجَهَا وَ
سَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَیْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَیْدٍ تَدْفَعُ
وَ لَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ
عُیُونٍ لَهُمْ مِنْ کُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَ
غَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِی وَ کَمْ أَکَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ وَ
أَنِیقِ لَوْنٍ کَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ وَ رَبِیبَ شَرَفٍ
یَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِی سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ یَفْزَعُ إِلَى
السَّلْوَةِ إِنْ مُصِیبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَیْشِهِ وَ
شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَیْنَمَا هُوَ یَضْحَکُ إِلَى
الدُّنْیَا وَ تَضْحَکُ إِلَیْهِ فِی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ
الدَّهْرُ بِهِ حَسَکَهُ وَ نَقَضَتِ الْأَیَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ
إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ کَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا یَعْرِفُهُ وَ
نَجِیُّ هَمٍّ مَا کَانَ یَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ
آنَسَ مَا کَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا کَانَ عَوَّدَهُ
الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْکِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِیکِ
الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ یُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ
حَرَارَةً وَ لَا حَرَّکَ بِحَارٍّ إِلَّا هَیَّجَ بُرُودَةً وَ لَا
اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْکَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا کُلَّ
ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَایَا
أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلینَ عَنْهُ
وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَکْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ هُوَ
لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ
عَلَى فَقْدِهِ یُذَکِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِینَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَیْنَمَا
هُوَ کَذَلِکَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا وَ تَرْکِ
الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَیَّرَتْ
نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ یَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَکَمْ مِنْ مُهِمٍّ
مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ
بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ کَبِیرٍ کَانَ یُعَظِّمُهُ
أَوْ صَغِیرٍ کَانَ یَرْحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ
أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ
أَهْلِ الدُّنْیَا