و من خطبة له علیه السلام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا تُدْرِکُهُ الشَّوَاهِدُ وَ لَا تَحْوِیهِ
الْمَشَاهِدُ وَ لَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ
الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى
وُجُودِهِ وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شِبْهَ لَهُ الَّذِی صَدَقَ
فِی مِیعَادِهِ وَ ارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَ قَامَ بِالْقِسْطِ
فِی خَلْقِهِ وَ عَدَلَ عَلَیْهِمْ فِی حُکْمِهِ مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ
الْأَشْیَاءِ عَلَى أَزَلِیَّتِهِ وَ بِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ
عَلَى قُدْرَتِهِ وَ بِمَا اضْطَرَّهَا إِلَیْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى
دَوَامِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ وَ دَائِمٌ لَا بِأَمَدٍ وَ قَائِمٌ لَا
بِعَمَدٍ تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَ تَشْهَدُ لَهُ
الْمَرَائِی لَا بِمُحَاضَرَةٍ لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ
تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَ بِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَ إِلَیْهَا حَاکَمَهَا
لَیْسَ بِذِی کِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَایَاتُ فَکَبَّرَتْهُ
تَجْسِیماً وَ لَا بِذِی عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَایَاتُ فَعَظَّمَتْهُ
تَجْسِیداً بَلْ کَبُرَ شَأْناً وَ عَظُمَ سُلْطَاناً وَ أَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الصَّفِیُّ وَ أَمِینُهُ الرَّضِیُّ صلى
الله علیه واله أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ وَ ظُهُورِ الْفَلَجِ وَ
إِیضَاحِ الْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَ حَمَلَ
عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَیْهَا وَ أَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ
وَ مَنَارَ الضِّیَاءِ وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِینَةً وَ
عُرَى الْإِیمَانِ وَثِیقَةً
منها فی صفة )عجیب خلق( أصناف من الحیوان وَ لَوْ فَکَّرُوا فِی عَظِیمِ
الْقُدْرَةِ وَ جَسِیمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِیقِ وَ
خَافُوا عَذَابَ الْحَرِیقِ وَ لَکِنَّ الْقُلُوبَ عَلِیلَةٌ وَ
الْأَبْصَارَ مَدْخُولَةٌ أَ لَا یَنْظُرُونَ إِلَى صَغِیرِ مَا خَلَقَ
کَیْفَ أَحْکَمَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْکِیبَهُ وَ فَلَقَ لَهُ
السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ سَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَ الْبَشَرَ انْظُرُوا
إِلَى النَّمْلَةِ فِی صِغَرِ جُثَّتِهَا وَ لَطَافَةِ هَیْئَتِهَا لَا
تَکَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَ لَا بِمُسْتَدْرَکِ الْفِکْرِ
کَیْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ
الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَ تُعِدُّهَا فِی مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِی
حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِی وُرُودِهَا لِصَدَرِهَا مَکْفُولَةٌ
بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوَفْقِهَا لَا یُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَ لَا
یَحْرِمُهَا الدَّیَّانُ وَ لَوْ فِی الصَّفَا الْیَابِسِ وَ الْحَجَرِ
الْجَامِسِ وَ لَوْ فَکَّرْتَ فِی مَجَارِی أَکْلِهَا وَ فِی عُلْوِهَا وَ
سُفْلِهَا وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِیفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِی
الرَّأْسِ مِنْ عَیْنِهَا وَ أُذُنِهَا لَقَضَیْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً
وَ لَقِیتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِی أَقَامَهَا عَلَى
قَوَائِمِهَا وَ بَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ یَشْرَکْهُ فِی
فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَ لَمْ یُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَ لَوْ
ضَرَبْتَ فِی مَذَاهِبِ فِکْرِکَ لِتَبْلُغَ غَایَاتِکَ مَا دَلَّتْکَ
الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ
النَّخْلَةِ لِدَقِیقِ تَفْصِیلِ کُلِّ شَیْءٍ وَ غَامِضِ اخْتِلَافِ
کُلِّ حَیٍّ وَ مَا الْجَلِیلُ وَ اللَّطِیفُ وَ الثَّقِیلُ وَ الْخَفِیفُ
وَ الْقَوِیُ وَ الضَّعِیفُ فِی خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ وَ کَذَلِکَ
السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیَاحُ وَ الْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى
الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ الْمَاءِ وَ
الْحَجَرِ وَ اخْتِلَافِ هَذَا اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ تَفَجُّرِ
هَذِهِ الْبِحَارِ وَ کَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ
الْقِلَالِ وَ تَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَ الْأَلْسُنِ
الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَیْلُ لِمَنْ أَنْکَرَ الْمُقَدِّرَ وَ جَحَدَ
الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ کَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لَا
لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَ لَمْ یَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِیمَا
ادَّعَوْا وَ لَا تَحْقِیقٍ لِمَا وَعَوْا وَ هَلْ یَکُونُ بِنَاءٌ مِنْ
غَیْرِ بَانٍ أَوْ جِنَایَةٌ مِنْ غَیْرِ جَانٍ وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِی
الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَیْنَیْنِ حَمْرَاوَیْنِ وَ أَسْرَجَ
لَهَا حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ وَ
فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ وَ
نَابَیْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَ مِنْجَلَیْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ یَرْهَبُهَا
الزُّرَّاعُ فِی زَرْعِهِمْ وَ لَا یَسْتَطِیعُونَ ذَبَّهَا وَ لَوْ
أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِی نَزَوَاتِهَا وَ
تَقْضِیَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَ خَلْقُهَا کُلُّهُ لَا یَکُونُ إِصْبَعاً
مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَکَ اللَّهُ الَّذِی یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ یُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَ
وَجْهاً وَ یُلْقِی بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَ ضَعْفاً وَ یُعْطِی لَهُ
الْقِیَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً فَالطَّیْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ
أَحْصَى عَدَدَ الرِّیشِ مِنْهَا وَ النَّفَسِ وَ أَرْسَى قَوَائِمَهَا
عَلَى النَّدَى وَ الْیَبَسِ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَى
أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَ هَذَا عُقَابٌ وَ هَذَا حَمَامٌ وَ هَذَا
نَعَامٌ دَعَا کُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَ کَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَ
أَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِیَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا
فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ
جُدُوبِهَا