و من وصیة له علیه السلام للحسن بن علی علیهما السلام کتبها إلیه بحاضرین منصرفا من صفین
مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ
الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ الذَّامِ لِلدُّنْیَا السَّاکِنِ مَسَاکِنَ
الْمَوْتَى الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا
لَا یُدْرِکُ السَّالِکِ سَبِیلَ مَنْ قَدْ هَلَکَ غَرَضِ الْأَسْقَامِ وَ
رَهِینَةِ الْأَیَّامِ وَ رَمِیَّةِ الْمَصَائِبِ وَ عَبْدِ الدُّنْیَا وَ
تَاجِرِ الْغُرُورِ وَ غَرِیمِ الْمَنَایَا وَ أَسِیرِ الْمَوْتِ وَ
حَلِیفِ الْهُمُومِ وَ قَرِینِ الْأَحْزَانِ وَ نُصُبِ الْآفَاتِ وَ
صَرِیعِ الشَّهَوَاتِ وَ خَلِیفَةِ الْأَمْوَاتِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
فِیمَا تَبَیَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْیَا عَنِّی وَ جُمُوحِ الدَّهْرِ
عَلَیَّ وَ إِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَیَّ مَا یَزَعُنِی عَنْ ذِکْرِ مَنْ
سِوَایَ وَ الِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِی غَیْرَ أَنِّی حَیْثُ تَفَرَّدَ
بِی- دُونَ هُمُومِ النَّاسِ- هَمُّ نَفْسِی فَصَدَقَنِی رَأْیِی وَ
صَرَفَنِی عَنْ هَوَایَ وَ صَرَّحَ لِی مَحْضُ أَمْرِی فَأَفْضَى بِی إِلَى
جِدٍّ لَا یَکُونُ فِیهِ لَعِبٌ وَ صِدْقٍ لَا یَشُوبُهُ کَذِبٌ
وَجَدْتُکَ بَعْضِی بَلْ وَجَدْتُکَ کُلِّی حَتَّى کَأَنَّ شَیْئاً لَوْ
أَصَابَکَ أَصَابَنِی وَ کَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاکَ أَتَانِی
فَعَنَانِی مِنْ أَمْرِکَ مَا یَعْنِینِی مِنْ أَمْرِ نَفْسِی فَکَتَبْتُ
إِلَیْکَ کِتَابِی مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِیتُ لَکَ أَوْ
فَنِیتُ فَإِنِّی أُوصِیکَ بِتَقْوَى اللَّهِ- أَیْ بُنَیَّ- وَ لُزُومِ
أَمْرِهِ وَ عِمَارَةِ قَلْبِکَ بِذِکْرِهِ وَ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَ
أَیُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ اللَّهِ إِنْ
أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْیِ قَلْبَکَ بِالْمَوْعِظَةِ وَ أَمِتْهُ
بِالزَّهَادَةِ وَ قَوِّهِ بِالْیَقِینِ (وَ نَوِّرْهُ بِالْحِکْمَةِ) وَ
ذَلِّلْهُ بِذِکْرِ الْمَوْتِ وَ قَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَ بَصِّرْهُ
فَجَائِعَ الدُّنْیَا وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ
اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامِ وَ اعْرِضْ عَلَیْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِینَ وَ
ذَکِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ کَانَ قَبْلَکَ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ سِرْ
فِی دِیَارِهِمْ وَ آثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِیمَا فَعَلُوا وَ عَمَّا
انْتَقَلُوا (وَ أَیْنَ حَلُّوا وَ نَزَلُوا) فَإِنَّکَ تَجِدُهُمْ قَدِ
انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ وَ حَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ وَ کَأَنَّکَ
عَنْ قَلِیلٍ قَدْ صِرْتَ کَأَحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثْوَاکَ وَ لَا تَبِعْ
آخِرَتَکَ بِدُنْیَاکَ وَ دَعِ الْقَوْلَ فِیمَا لَا تَعْرِفُ وَ
الْخِطَابَ فِیمَا لَمْ تُکَلَّفْ وَ أَمْسِکْ عَنْ طَرِیقٍ إِذَا خِفْتَ
ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْکَفَّ عِنْدَ حَیْرَةِ الضَّلَالِ خَیْرٌ مِنْ
رُکُوبِ الْأَهْوَالِ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَکُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَ
أَنْکِرِ الْمُنْکَرَ بِیَدِکَ وَ لِسَانِکَ وَ بَایِنْ مَنْ فَعَلَهُ
بِجُهْدِکَ وَ جَاهِدْ فِی اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَ لَا تَأْخُذْکَ فِی
اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَ خُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَیْثُ کَانَ (وَ
تَفَقَّهْ فِی الدِّینِ وَ عَوِّدْ نَفْسَکَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَکْرُوهِ
وَ نِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِی الْحَقِّ) وَ أَلْجِئْ نَفْسَکَ فِی
الْأُمُورِ کُلِّهَا إِلَى إِلَهِکَ فَإِنَّکَ تُلْجِئُهَا إِلَى کَهْفٍ
حَرِیزٍ وَ مَانِعٍ عَزِیزٍ وَ أَخْلِصْ فِی الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّکَ
فَإِنَّ بِیَدِهِ الْعَطَاءَ وَ الْحِرْمَانَ وَ أَکْثِرِ الِاسْتِخَارَةَ
وَ تَفَهَّمْ وَصِیَّتِی وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْهَا صَفْحاً فَإِنَّ
خَیْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خَیْرَ فِی عِلْمٍ لَا
یَنْفَعُ وَ لَا یُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا یَحِقُّ تَعَلُّمُهُ أَیْ
بُنَیَّ إِنِّی لَمَّا رَأَیْتُنِی قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً وَ رَأَیْتُنِی
أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِیَّتِی إِلَیْکَ وَ أَوْرَدْتُ خِصَالًا
مِنْهَا قَبْلَ أَنْ یَعْجَلَ بِی أَجَلِی دُونَ أَنْ أُفْضِیَ إِلَیْکَ
بِمَا فِی نَفْسِی أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِی رَأْیِی کَمَا نُقِصْتُ فِی
جِسْمِی أَوْ یَسْبِقَنِی إِلَیْکَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَ فِتَنِ
الدُّنْیَا فَتَکُونَ کَالصَّعْبِ النَّفُورِ وَ إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ
کَالْأَرْضِ الْخَالِیَةِ مَا أُلْقِیَ فِیهَا مِنْ شَیْءٍ قَبِلَتْهُ
فَبَادَرْتُکَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ یَقْسُوَ قَلْبُکَ وَ یَشْتَغِلَ
لُبُّکَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْیِکَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ کَفَاکَ
أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْیَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ فَتَکُونَ قَدْ کُفِیتَ
مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَ عُوفِیتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاکَ
مِنْ ذَلِکَ مَا قَدْ کُنَّا نَأْتِیهِ وَ اسْتَبَانَ لَکَ مَا رُبَّمَا
أَظْلَمَ عَلَیْنَا مِنْهُ أَیْ بُنَیَّ إِنِّی وَ إِنْ لَمْ أَکُنْ
عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ کَانَ قَبْلِی- فَقَدْ نَظَرْتُ فِی أَعْمَالِهِمْ
وَ فَکَّرْتُ فِی أَخْبَارِهِمْ وَ سِرْتُ فِی آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ
کَأَحَدِهِمْ بَلْ کَأَنِّی بِمَا انْتَهَى إِلَیَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ
عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِکَ
مِنْ کَدَرِهِ وَ نَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَکَ مِنْ کُلِّ
أَمْرٍ نَخِیلَهُ وَ تَوَخَّیْتُ لَکَ جَمِیلَهُ وَ صَرَفْتُ عَنْکَ
مَجْهُولَهُ وَ رَأَیْتُ- حَیْثُ عَنَانِی مِنْ أَمْرِکَ مَا یَعْنِی
الْوَالِدَ الشَّفِیقَ وَ أَجْمَعْتُ عَلَیْهِ مِنْ أَدَبِکَ- أَنْ
یَکُونَ ذَلِکَ وَ أَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَ مُقْتَبِلُ الدَّهْرِ ذُو
نِیَّةٍ سَلِیمَةٍ وَ نَفْسٍ صَافِیَةٍ وَ أَنْ أَبْتَدِئَکَ بِتَعْلِیمِ
کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَأْوِیلِهِ وَ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ
وَ أَحْکَامِهِ وَ حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ لَا أُجَاوِزُ ذَلِکَ بِکَ إِلَى
غَیْرِهِ (ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ یَلْتَبِسَ عَلَیْکَ مَا اخْتَلَفَ
النَّاسُ فِیهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَ آرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِی الْتَبَسَ
عَلَیْهِمْ فَکَانَ إِحْکَامُ ذَلِکَ عَلَى مَا کَرِهْتُ مِنْ تَنْبِیهِکَ
لَهُ أَحَبَّ إِلَیَّ مِنْ إِسْلَامِکَ إِلَى أَمْرٍ لَا آمَنُ عَلَیْکَ
بِهِ الْهَلَکَةَ وَ رَجَوْتُ أَنْ یُوَفِّقَکَ اللَّهُ فِیهِ لِرُشْدِکَ
وَ أَنْ یَهْدِیَکَ لِقَصْدِکَ فَعَهِدْتُ إِلَیْکَ وَصِیَّتِی هَذِهِ) وَ
اعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَیَّ مِنْ
وَصِیَّتِی تَقْوَى اللَّهِ وَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ
عَلَیْکَ وَ الْأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَیْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِکَ
وَ الصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِکَ فَإِنَّهُمْ لَمْ یَدَعُوا أَنْ
نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ کَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ وَ فَکَّرُوا کَمَا أَنْتَ
مُفَکِّرٌ ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذَلِکَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا وَ
الْإِمْسَاکِ عَمَّا لَمْ یُکَلَّفُوا (فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُکَ أَنْ
تَقْبَلَ ذَلِکَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ کَمَا عَلِمُوا فَلْیَکُنْ طَلَبُکَ
ذَلِکَ بِتَفَهُّمٍ وَ تَعَلُّمٍ لَا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ وَ غُلُوِّ
الْخُصُومَاتِ) وَ ابْدَأْ- قَبْلَ نَظَرِکَ فِی ذَلِکَ-
بِالِاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِکَ وَ الرَّغْبَةِ إِلَیْهِ فِی تَوْفِیقِکَ وَ
تَرْکِ کُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْکَ فِی شُبْهَةٍ أَوْ أَسْلَمَتْکَ إِلَى
ضَلَالَةٍ فَإِذَا أَیْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُکَ فَخَشَعَ وَ تَمَّ
رَأْیُکَ فَاجْتَمَعَ وَ کَانَ هَمُّکَ فِی ذَلِکَ هَمّاً وَاحِداً
فَانْظُرْ فِیمَا فَسَّرْتُ لَکَ وَ إِنْ أَنْتَ لَمْ یَجْتَمِعْ لَکَ مَا
تُحِبُّ مِنْ نَفْسِکَ وَ فَرَاغِ نَظَرِکَ وَ فِکْرِکَ فَاعْلَمْ أَنَّکَ
إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ وَ تَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ وَ لَیْسَ
طَالِبُ الدِّینِ مَنْ خَبَطَ وَ لَا مَنْ خَلَطَ وَ الْإِمْسَاکُ عَنْ
ذَلِکَ أَمْثَلُ فَتَفَهَّمْ یَا بُنَیَّ وَصِیَّتِی وَ اعْلَمْ أَنَّ
مَالِکَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِکُ الْحَیَاةِ وَ أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ
الْمُمِیتُ وَ أَنَّ الْمُفْنِی هُوَ الْمُعِیدُ وَ أَنَّ الْمُبْتَلِیَ
هُوَ الْمُعَافِی وَ أَنَّ الدُّنْیَا لَمْ تَکُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلَّا
عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَیْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ وَ الِابْتِلَاءِ
وَ الْجَزَاءِ فِی الْمَعَادِ وَ مَا شَاءَ مِمَّا لَا نَعْلَمُ فَإِنْ
أَشْکَلَ عَلَیْکَ شَیْءٌ مِنْ ذَلِکَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِکَ بِهِ
فَإِنَّکَ أَوَّلَ مَا خُلِقْتَ جَاهِلًا ثُمَّ عُلِّمْتَ وَ مَا أَکْثَرَ
مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأُمُورِ وَ یَتَحَیَّرُ فِیهِ رَأْیُکَ وَ یَضِلُّ
فِیهِ بَصَرُکَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِکَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِی
خَلَقَکَ وَ رَزَقَکَ وَ سَوَّاکَ وَ لْیَکُنْ لَهُ تَعَبُّدُکَ وَ
إِلَیْهِ رَغْبَتُکَ وَ مِنْهُ شَفَقَتُکَ وَ اعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّ
أَحَداً لَمْ یُنْبِئْ عَنِ اللَّهِ (سُبْحَانَهُ) کَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ
الرَّسُولُ صلى الله علیه واله فَارْضَ بِهِ رَائِداً وَ إِلَى النَّجَاةِ
قَائِداً فَإِنِّی لَمْ آلُکَ نَصِیحَةً وَ إِنَّکَ لَنْ تَبْلُغَ فِی
النَّظَرِ لِنَفْسِکَ- وَ إِنِ اجْتَهَدْتَ- مَبْلَغَ نَظَرِی لَکَ وَ
اعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّهُ لَوْ کَانَ لِرَبِّکَ شَرِیکٌ لَأَتَتْکَ
رُسُلُهُ وَ لَرَأَیْتَ آثَارَ مُلْکِهِ وَ سُلْطَانِهِ وَ لَعَرَفْتَ
أَفْعَالَهُ وَ صِفَاتِهِ وَ لَکِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ کَمَا وَصَفَ
نَفْسَهُ لَا یُضَادُّهُ فِی مُلْکِهِ أَحَدٌ وَ لَا یَزُولُ أَبَداً وَ
لَمْ یَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْیَاءِ بِلَا أَوَّلِیَّةٍ وَ آخِرٌ
بَعْدَ الْأَشْیَاءِ بِلَا نِهَایَةٍ عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ
رُبُوبِیَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِکَ
فَافْعَلْ کَمَا یَنْبَغِی لِمِثْلِکَ أَنْ یَفْعَلَهُ فِی صِغَرِ خَطَرِهِ
وَ قِلَّةِ مَقْدُرَتِهِ وَ کَثْرَةِ عَجْزِهِ و عَظِیمِ حَاجَتِهِ إِلَى
رَبِّهِ فِی طَلَبِ طَاعَتِهِ وَ الرَّهْبَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَ
الشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ فَإِنَّهُ لَمْ یَأْمُرْکَ إِلَّا بِحَسَنٍ وَ
لَمْ یَنْهَکَ إِلَّا عَنْ قَبِیحٍ یَا بُنَیَّ إِنِّی قَدْ أَنْبَأْتُکَ
عَنِ الدُّنْیَا وَ حَالِهَا وَ زَوَالِهَا وَ انْتِقَالِهَا وَ
أَنْبَأْتُکَ عَنِ الْآخِرَةِ وَ مَا أُعِدَّ لِأَهْلِهَا فِیهَا وَ
ضَرَبْتُ لَکَ فِیهِمَا الْأَمْثَالَ لِتَعْتَبِرَ بِهَا وَ تَحْذُوَ
عَلَیْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْیَا کَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ
نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِیبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلًا خَصِیباً وَ جَنَاباً
مَرِیعاً فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِیقِ وَ فِرَاقَ الصَّدِیقِ وَ
خُشُونَةَ السَّفَرِ وَ جُشُوبَةَ المَطْعَمِ لِیَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ
وَ مَنْزِلَ قَرَارِهِمْ فَلَیْسَ یَجِدُونَ لِشَیْءٍ مِنْ ذَلِکَ أَلَماً
وَ لَا یَرَوْنَ نَفَقَةً فِیهِ مَغْرَماً وَ لَا شَیْءَ أَحَبُّ
إِلَیْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وَ أَدْنَاهُمْ مِنْ
مَحَلِّهِمْ وَ مَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا کَمَثَلِ قَوْمٍ کَانُوا
بِمَنْزِلٍ خَصِیبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِیبٍ فَلَیْسَ
شَیْءٌ أَکْرَهَ إِلَیْهِمْ وَ لَا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ
مَا کَانُوا فِیهِ إِلَى مَا یَهْجُمُونَ عَلَیْهِ وَ یَصِیرُونَ إِلَیْهِ
یَا بُنَیَّ اجْعَلْ نَفْسَکَ مِیزَاناً فِیمَا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ
غَیْرِکَ فَأَحْبِبْ لِغَیْرِکَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِکَ وَ اکْرَهْ لَهُ
مَا تَکْرَهُ لَهَا وَ لَا تَظْلِمْ کَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَ
أَحْسِنْ کَمَا تُحِبُّ أَنْ یُحْسَنَ إِلَیْکَ وَ اسْتَقْبِحْ مِنْ
نَفْسِکَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَیْرِکَ وَ ارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا
تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِکَ وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ وَ إِنْ
قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ یُقَالَ لَکَ وَ
اعْلَمْ أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وَ آفَةُ الْأَلْبَابِ
فَاسْعَ فِی کَدْحِکَ وَ لَا تَکُنْ خَازِناً لِغَیْرِکَ وَ إِذَا أَنْتَ
هُدِیتَ لِقَصْدِکَ فَکُنْ أَخْشَعَ مَا تَکُونُ لِرَبِّکَ وَ اعْلَمْ
أَنَّ أَمَامَکَ طَرِیقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِیدَةٍ وَ مَشَقَّةٍ شَدِیدَةٍ
وَ أَنَّهُ لَا غِنَى بِکَ فِیهِ عَنْ حُسْنِ الِارْتِیَادِ وَ قَدْرِ
بَلَاغِکَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى
ظَهْرِکَ فَوْقَ طَاقَتِکَ فَیَکُونَ ثِقْلُ ذَلِکَ وَبَالًا عَلَیْکَ وَ
إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ یَحْمِلُ لَکَ زَادَکَ إِلَى
یَوْمِ الْقِیَامَةِ فَیُوَافِیکَ بِهِ غَداً حَیْثُ تَحْتَاجُ إِلَیْهِ
فَاغْتَنِمْهُ وَ حَمِّلْهُ إِیَّاهُ وَ أَکْثِرْ مِنْ تَزْوِیدِهِ وَ
أَنْتَ قَادِرٌ عَلَیْهِ فَلَعَلَّکَ تَطْلُبُهُ فَلَا تَجِدُهُ وَ
اغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَکَ فِی حَالِ غِنَاکَ لِیَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَکَ
فِی یَوْمِ عُسْرَتِکَ وَ اعْلَمْ أَنَّ أَمَامَکَ عَقَبَةً کَئُوداً
الْمُخِفُّ فِیهَا أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمُثْقِلِ وَ الْمُبْطِئُ
عَلَیْهَا أَقْبَحُ حَالًا مِنَ الْمُسْرِعِ وَ أَنَّ مَهْبَطَهَا بِکَ لَا
مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِکَ
قَبْلَ نُزُولِکَ وَ وَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِکَ فَلَیْسَ بَعْدَ
الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَ لَا إِلَى الدُّنْیَا مُنْصَرَفٌ وَ اعْلَمْ
أَنَّ الَّذِی بِیَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ
لَکَ فِی الدُّعَاءِ وَ تَکَفَّلَ لَکَ بِالْإِجَابَةِ وَ أَمَرَکَ أَنْ
تَسْأَلَهُ لِیُعْطِیَکَ وَ تَسْتَرْحِمَهُ لِیَرْحَمَکَ وَ لَمْ یَجْعَلْ
بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ مَنْ یَحْجُبُهُ عَنْکَ وَ لَمْ یُلْجِئْکَ إِلَى
مَنْ یَشْفَعُ لَکَ إِلَیْهِ وَ لَمْ یَمْنَعْکَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ
التَّوْبَةِ وَ لَمْ یُعَاجِلْکَ بِالنِّقْمَةِ وَ لَمْ یَفْضَحْکَ حَیْثُ
الْفَضِیحَةُ )بِکَ أَوْلَى( وَ لَمْ یُشَدِّدْ عَلَیْکَ فِی قَبُولِ
الْإِنَابَةِ وَ لَمْ یُنَاقِشْکَ بِالْجَرِیمَةِ وَ لَمْ یُوئِسْکَ مِنَ
الرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَکَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وَ حَسَبَ
سَیِّئَتَکَ وَاحِدَةً وَ حَسَبَ حَسَنَتَکَ عَشْراً وَ فَتَحَ لَکَ بَابَ
الْمَتَابِ )وَ بَابَ الِاسْتِعْتَابِ( فَإِذَا نَادَیْتَهُ سَمِعَ
نِدَاءَکَ وَ إِذَا نَاجَیْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاکَ فَأَفْضَیْتَ إِلَیْهِ
بِحَاجَتِکَ وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِکَ وَ شَکَوْتَ إِلَیْهِ
هُمُومَکَ وَ اسْتَکْشَفْتَهُ کُرُوبَکَ وَ اسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِکَ
وَ سَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا یَقْدِرُ عَلَى
إِعْطَائِهِ غَیْرُهُ مِنْ زِیَادَةِ الْأَعْمَارِ وَ صِحَّةِ الْأَبْدَانِ
وَ سَعَةِ الْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِی یَدَیْکَ مَفَاتِیحَ خَزَائِنِهِ
بِمَا أَذِنَ لَکَ فِیهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ
بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَ اسْتَمْطَرْتَ شَآبِیبَ رَحْمَتِهِ
فَلَا یُقَنِّطَنَّکَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِیَّةَ عَلَى
قَدْرِ النِّیَّةِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْکَ الْإِجَابَةُ لِیَکُونَ
ذَلِکَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ وَ
رُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّیْءَ فَلَا تُؤْتَاهُ وَ أُوتِیتَ خَیْراً مِنْهُ
عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ صُرِفَ عَنْکَ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَکَ فَلَرُبَّ
أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِیهِ هَلَاکُ دِینِکَ لَوْ أُوتِیتَهُ فَلْتَکُنْ
مَسْأَلَتُکَ فِیمَا یَبْقَى لَکَ جَمَالُهُ وَ یُنْفَى عَنْکَ وَبَالُهُ
فَالْمَالُ لَا یَبْقَى لَکَ وَ لَا تَبْقَى لَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّکَ
إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرَةِ لَا لِلدُّنْیَا وَ لِلْفَنَاءِ لَا
لِلْبَقَاءِ وَ لِلْمَوْتِ لَا لِلْحَیَاةِ وَ أَنَّکَ فِی مَنْزِلِ
قُلْعَةٍ وَ دَارِ بُلْغَةٍ وَ طَرِیقٍ إِلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّکَ
طَرِیدُ الْمَوْتِ الَّذِی لَا یَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ )وَ لَا یَفُوتُهُ
طَالِبُهُ( وَ لَا بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِکُهُ فَکُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ
أَنْ یُدْرِکَکَ وَ أَنْتَ عَلَى حَالٍ سَیِّئَةٍ قَدْ کُنْتَ تُحَدِّثُ
نَفْسَکَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَیَحُولَ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ ذَلِکَ
فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَکْتَ نَفْسَکَ یَا بُنَیَّ أَکْثِرْ مِنْ ذِکْرِ
الْمَوْتِ وَ ذِکْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَیْهِ وَ تُفْضِی بَعْدَ الْمَوْتِ
إِلَیْهِ حَتَّى یَأْتِیَکَ وَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَکَ وَ شَدَدْتَ
لَهُ أَزْرَکَ وَ لَا یَأْتِیَکَ بَغْتَةً فَیَبْهَرَکَ وَ إِیَّاکَ أَنْ
تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْیَا إِلَیْهَا وَ
تَکَالُبِهِمْ عَلَیْهَا فَقَدْ نَبَّأَکَ اللَّهُ عَنْهَا وَ نَعَتْ لَکَ
نَفْسَهَا وَ تَکَشَّفَتْ لَکَ عَنْ مَسَاوِیهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا
کِلَابٌ عَاوِیَةٌ وَ سِبَاعٌ ضَارِیَةٌ یَهِرُّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَ
یَأْکُلُ عَزِیزُهَا ذَلِیلَهَا وَ یَقْهَرُ کَبِیرُهَا صَغِیرَهَا نَعَمٌ
مُعَقَّلَةٌ وَ أُخْرَى مُهْمَلَةٌ قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا وَ رَکِبَتْ
مَجْهُولَهَا سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ لَیْسَ لَهَا رَاعٍ
یُقِیمُهَا وَ لَا مُسِیمٌ یُسِیمُهَا سَلَکَتْ بِهِمُ الدُّنْیَا طَرِیقَ
الْعَمَى وَ أَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى فَتَاهُوا فِی
حَیْرَتِهَا وَ غَرِقُوا فِی نِعْمَتِهَا وَ اتَّخَذُوهَا رَبّاً
فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَ لَعِبُوا بِهَا وَ نَسُوا مَا وَرَاءَهَا رُوَیْداً
یُسْفِرُ الظَّلَامُ کَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ یُوشِکُ مَنْ
أَسْرَعَ أَنْ یَلْحَقَ وَ اعْلَمْ یَا بُنَیَّ أَنَّ مَنْ کَانَتْ
مَطِیَّتُهُ اللَّیْلَ وَ النَّهَارَ فَإِنَّهُ یُسَارُ بِهِ وَ إِنْ کَانَ
وَاقِفاً وَ یَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَ إِنْ کَانَ مُقِیماً وَادِعاً وَ
اعْلَمْ یَقِیناً أَنَّکَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَکَ وَ لَنْ تَعْدُوَ
أَجَلَکَ وَ أَنَّکَ فِی سَبِیلِ مَنْ کَانَ قَبْلَکَ فَخَفِّضْ فِی
الطَّلَبِ وَ أَجْمِلْ فِی الْمُکْتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ
جَرَّ إِلَى حَرَبٍ وَ لَیْسَ کُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ وَ لَا کُلُّ
مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَ أَکْرِمْ نَفْسَکَ عَنْ کُلِّ دَنِیَّةٍ وَ إِنْ
سَاقَتْکَ إِلَى الرَّغَائِبِ فَإِنَّکَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ
مِنْ نَفْسِکَ عِوَضاً وَ لَا تَکُنْ عَبْدَ غَیْرِکَ وَ قَدْ جَعَلَکَ
اللَّهُ حُرّاً وَ مَا خَیْرُ خَیْرٍ لَا یُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ وَ یُسْرٍ
لَا یُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ وَ إِیَّاکَ أَنْ تُوجِفَ بِکَ مَطَایَا
الطَّمَعِ فَتُورِدَکَ مَنَاهِلَ الْهَلَکَةِ وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا
یَکُونَ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّکَ
مُدْرِکٌ قِسْمَکَ وَ آخِذٌ سَهْمَکَ وَ إِنَّ الْیَسِیرَ مِنَ اللَّهِ-
سُبْحَانَهُ- أَعْظَمُ وَ أَکْرَمُ مِنَ الْکَثِیرِ مِنْ خَلْقِهِ وَ إِنْ
کَانَ کُلٌّ مِنْهُ وَ تَلَافِیکَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِکَ أَیْسَرُ مِنْ
إِدْرَاکِکَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِکَ وَ حِفْظُ مَا فِی الْوِعَاءِ
بِشَدِّ الْوِکَاءِ وَ حِفْظُ مَا فِی یَدَیْکَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ
طَلَبِ مَا فِی یَدِ غَیْرِکَ وَ مَرَارَةُ الْیَأْسِ خَیْرٌ مِنَ
الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ وَ الْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَیْرٌ مِنَ
الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ وَ الْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ وَ رُبَّ سَاعٍ
فِیمَا یَضُرُّهُ مَنْ أَکْثَرَ أَهْجَرَ وَ مَنْ تَفَکَّرَ أَبْصَرَ
قَارِنْ أَهْلَ الْخَیْرِ تَکُنْ مِنْهُمْ وَ بَایِنْ أَهْلَ الشَّرِّ
تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ وَ ظُلْمُ الضَّعِیفِ
أَفْحَشُ الظُّلْمِ إِذَا کَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً کَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً
رُبَّمَا کَانَ الدَّوَاءُ دَاءً وَ الدَّاءُ دَوَاءً وَ رُبَّمَا نَصَحَ
غَیْرُ النَّاصِحِ وَ غَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ وَ إِیَّاکَ وَ الِاتِّکَالَ
عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوکىَ وَ الْعَقْلُ حِفْظُ
التَّجَارِبِ وَ خَیْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَکَ بَادِرِ الْفُرْصَةَ
قَبْلَ أَنْ تَکُونَ غُصَّةً لَیْسَ کُلُّ طَالِبٍ یُصِیبُ وَ لَا کُلُّ
غَائِبٍ یَئُوبُ وَ مِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ وَ مَفْسَدَةُ
الْمَعَادِ وَ لِکُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ سَوْفَ یَأْتِیکَ مَا قُدِّرَ لَکَ
التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ وَ رُبَّ یَسِیرٍ أَنْمَى مِنْ کَثِیرٍ وَ لَا
خَیْرَ فِی مُعِینٍ مَهِینٍ وَ لَا فِی صَدِیقٍ ظَنِینٍ سَاهِلِ الدَّهْرَ
مَا ذَلَّ لَکَ قَعُودُهُ وَ لَا تُخَاطِرْ بِشَیْءٍ رَجَاءَ أَکْثَرَ
مِنْهُ وَ إِیَّاکَ أَنْ تَجْمَحَ بِکَ مَطِیَّةُ اللَّجَاجِ احْمِلْ
نَفْسَکَ مِنْ أَخِیکَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ وَ عِنْدَ
صُدُودِهِ عَلَى اللَّطَفِ وَ الْمُقَارَبَةِ وَ عِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى
الْبَذْلِ وَ عِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ وَ عِنْدَ شِدَّتِهِ
عَلَى اللِّینِ وَ عِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى کَأَنَّکَ لَهُ
عَبْدٌ وَ کَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَیْکَ وَ إِیَّاکَ أَنْ تَضَعَ ذَلِکَ
فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَیْرِ أَهْلِهِ لَا
تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِیقِکَ صَدِیقاً فَتُعَادِیَ صَدِیقَکَ وَ امْحَضْ
أَخَاکَ النَّصِیحَةَ حَسَنَةً کَانَتْ أَوْ قَبِیحَةً وَ تَجَرَّعِ
الْغَیْظَ فَإِنِّی لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً وَ لَا
أَلَذَّ مَغَبَّةً وَ لِنْ لِمَنْ غَالَظَکَ فَإِنَّهُ یُوشِکُ أَنْ
یَلِینَ لَکَ وَ خُذْ عَلَى عَدُوِّکَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى
الظَّفَرَیْنِ وَ إِنْ أَرَدْتَ قَطِیعَةَ أَخِیکَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ
نَفْسِکَ بَقِیَّةً یَرْجِعُ إِلَیْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِکَ یَوْماً مَا
وَ مَنْ ظَنَّ بِکَ خَیْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ وَ لَا تُضِیعَنَّ حَقَّ
أَخِیکَ اتِّکَالًا عَلَى مَا بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ فَإِنَّهُ لَیْسَ لَکَ
بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ وَ لَا یَکُنْ أَهْلُکَ أَشْقَى الْخَلْقِ
بِکَ وَ لَا تَرْغَبَنَّ فِیمَنْ زَهِدَ عَنْکَ وَ لَا یَکُونَنَّ أَخُوکَ
أَقْوَى عَلَى قَطِیعَتِکَ مِنْکَ عَلَى صِلَتِهِ وَ لَا یَکُونَنَّ عَلَى
الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْکَ عَلَى الْإِحْسَانِ وَ لَا یَکْبُرَنَّ
عَلَیْکَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَکَ فَإِنَّهُ یَسْعَى فِی مَضَرَّتِهِ وَ
نَفْعِکَ وَ لَیْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّکَ أَنْ تَسُوءَهُ وَ اعْلَمْ یَا
بُنَیَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ یَطْلُبُکَ
فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاکَ مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ
الْحَاجَةِ وَ الْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى إِنَّمَا لَکَ مِنْ دُنْیَاکَ
مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاکَ وَ إِنْ جَزِعْتَ عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ
یَدَیْکَ فَاجْزَعْ عَلَى کُلِّ مَا لَمْ یَصِلْ إِلَیْکَ اسْتَدِلَّ عَلَى
مَا لَمْ یَکُنْ بِمَا قَدْ کَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَ لَا
تَکُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِی
إِیلَامِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ یَتَّعِظُ بِالأَدَبِ وَ الْبَهَائِمَ لَا
تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ اطْرَحْ عَنْکَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ
بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَ حُسْنِ الْیَقِینِ مَنْ تَرَکَ الْقَصْدَ جَارَ
وَ الصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ وَ الصَّدِیقُ مَنْ صَدَقَ غَیْبُهُ وَ الْهَوَى
شَرِیکُ الْعَمَى وَ رُبَّ بَعِیدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِیبٍ وَ قَرِیبٍ
أَبْعَدُ مِنْ بَعِیدٍ وَ الْغَرِیبُ مَنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ حَبِیبٌ مَنْ
تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ وَ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ
کَانَ أَبْقَى لَهُ وَ أَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَیْنَکَ وَ
بَیْنَ اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ یُبَالِکَ فَهُوَ عَدُوُّکَ قَدْ یَکُونُ
الْیَأْسُ إِدْرَاکاً إِذَا کَانَ الطَّمَعُ هَلَاکاً لَیْسَ کُلُّ
عَوْرَةٍ تَظْهَرُ وَ لَا کُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ وَ رُبَّمَا أَخْطَأَ
الْبَصِیرُ قَصْدَهُ وَ أَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ أَخِّرِ الشَّرَّ
فَإِنَّکَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ وَ قَطِیعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ
صِلَةَ الْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ وَ مَنْ أَعْظَمَهُ
أَهَانَهُ لَیْسَ کُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ إِذَا تَغَیَّرَ السُّلْطَانُ
تَغَیَّرَ الزَّمَانُ سَلْ عَنِ الرَّفِیقِ قَبْلَ الطَّرِیقِ وَ عَنِ
الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ إِیَّاکَ أَنْ تَذْکُرَ مِنَ الْکَلَامِ مَا
یَکُونُ مُضْحِکاً وَ إِنْ حَکَیْتَ ذَلِکَ عَنْ غَیْرِکَ وَ إِیَّاکَ وَ
مُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْیَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وَ عَزْمَهُنَّ
إِلَى وَهْنٍ وَ اکْفُفْ عَلَیْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِکَ
إِیَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَیْهِنَّ وَ لَیْسَ
خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِکَ مَنْ لَا یُوثَقُ بِهِ
عَلَیْهِنَّ وَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا یَعْرِفْنَ غَیْرَکَ فَافْعَلْ
وَ لَا تُمَلِّکِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا
)فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَیْحَانَةٌ وَ لَیْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ وَ لَا
تَعْدُ بِکَرَامَتِهَا نَفْسَهَا( وَ لَا تُطْمِعْهَا فِی أَنْ تَشْفَعَ
لِغَیْرِهَا وَ إِیَّاکَ وَ التَّغَایُرَ فِی غَیْرِ مَوْضِعِ غَیْرَةٍ
فَإِنَّ ذَلِکَ یَدْعُو الصَّحِیحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَ الْبَرِیئَةَ
إِلَى الرَّیْبِ وَ اجْعَلْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِکَ عَمَلًا
تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ لَا یَتَوَاکَلُوا فِی خِدْمَتِکَ
وَ أَکْرِمْ عَشِیرَتَکَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُکَ الَّذِی بِهِ تَطِیرُ وَ
أَصْلُکَ الَّذِی إِلَیْهِ تَصِیرُ وَ یَدُکَ الَّتِی بِهَا تَصُولُ
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِینَکَ وَ دُنْیَاکَ وَ اسْأَلْهُ خَیْرَ الْقَضَاءِ
لَکَ فِی الْعَاجِلَةِ وَ الْآجِلَةِ وَ الدُّنْیَا وَ الْآخِرَةِ وَ
السَّلَامُ