و من خطبة له علیه السلام لما بویع بالمدینة
ذِمَّتِی بِمَا أَقُولُ رَهِینَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِیمٌ إِنَّ مَنْ
صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ
حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ أَلَا وَ إِن
بَلِیَّتَکُمْ قَدْ عَادَتْ کَهَیْئَتِهَا یَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نبیکم صلى
الله علیه و اله وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ
بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ
الْقِدْرِ حَتَّى یَعُودَ أَسْفَلُکُمْ أَعْلَاکُمْ وَ أَعْلَاکُمْ
أَسْفَلَکُمْ وَ لَیَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ کَانُوا قَصَّرُوا وَ
لَیُقْصِرَنَّ سَبَّاقُونَ کَانُوا سَبَقُوا وَ اللَّهِ مَا کَتَمْتُ
وَشْمَةً وَ لَا کَذَبْتُ کِذْبَةً وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ
وَ هَذَا الْیَوْمِ أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَایَا خَیْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ
عَلَیْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِی
النَّارِ أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَایَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَیْهَا
أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَ
بَاطِلٌ وَ لِکُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِیماً فَعَلَ
وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ
شَیْءٌ فَأَقْبَلَ
أقول إن فی هذا الکلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع
الاستحسان و إن حظ العجب منه أکثر من حظ العجب به و فیه مع الحال التی
وصفنا زوائد من الفصاحة لا یقوم بها لسان و لا یطلع فجها إنسان و لا یعرف
ما أقول إلا من ضرب فی هذه الصناعة بحق و جرى فیها على عرق وَ ما
یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ
و من هذه الخطبة
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِیعٌ نَجَا وَ
طَالِبٌ بَطِیءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِی النَّارِ هَوَى الْیَمِینُ وَ
الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِیقُ الْوُسْطَى هِیَ الْجَادَّةُ عَلَیْهَا
بَاقِی الْکِتَابِ وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ
وَ إِلَیْهَا مَصِیرُ الْعَاقِبَةِ هَلَکَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ
افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَکَ وَ کَفَى بِالْمَرْءِ
جَهْلًا أَنْ لَا یَعْرِفَ قَدْرَهُ لَا یَهْلِکُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ
أَصْلٍ وَ لَا یَظْمَأُ عَلَیْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِی
بُیُوتِکُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِکُمْ وَ التَّوْبَةُ مِنْ
وَرَائِکُمْ وَ لَا یَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّهُ وَ لَا یَلُمْ لَائِمٌ
إِلَّا نَفْسَهُ