و من خطبة له علیه السلام
أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِی دَهْرٍ عَنُودٍ وَ زَمَنٍ
کَنُودٍ یُعَدُّ فِیهِ الْمُحْسِنُ مُسِیئاً وَ یَزْدَادُ الظَّالِمُ فِیهِ
عُتُوّاً لَا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَ لَا نَسْأَلُ عَمَّا
جَهِلْنَا وَ لَا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحِلَّ بِنَا فَالَّنَاسُ
عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لَا یَمْنَعُهُ الْفَسَادَ (فِی
الْأَرْضِ) إِلَّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَ کَلَالَةُ حَدِّهِ وَ نَضِیضُ
وَفْرِهِ وَ مِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَیْفِهِ وَ الْمُعْلِنُ بِشَرِّه وَ
الْمُجْلِبُ بِخَیْلِهِ وَ رَجْلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَ أَوْبَقَ
دِینَهُ لِحُطَامٍ یَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ یَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ
یَفْرَعُهُ وَ لَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْیَا لِنَفْسِکَ
ثَمَناً وَ مِمَّا لَکَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَ مِنْهُمْ مَنْ یَطْلُبُ
الدُّنْیَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَ لَا یَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ
الدُّنْیَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَ قَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَ
شَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَ زَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَ
اتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِیعَةً إِلَى الْمَعْصِیَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ
أَقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْکِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَ انْقِطَاعُ
سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ
الْقَنَاعَةِ وَ تَزَیَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَ لَیْسَ مِنْ
ذَلِکَ فِی مَرَاحٍ وَ لَا مَغْدًى وَ بَقِیَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ
ذِکْرُ الْمَرْجِعِ وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ
بَیْنَ شَرِیدٍ نَادٍّ وَ خَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَ سَاکِتٍ مَکْعُومٍ وَ دَاعٍ
مُخْلِصٍ وَ ثَکْلَانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِیَّةُ وَ
شَمَلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِی بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ
ضَامِزَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَ
قُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَ قُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا فَلْتَکُنِ الدُّنْیَا
أَصْغَرَ فِى أَعْیُنِکُمْ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَ قُرَاضَةِ
الْجَلَمِ وَ اتَّعِظُوا بِمَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ قَبْلَ أَنْ یَتَّعِظَ
بِکُمْ مَنْ بَعْدَکُمْ وَ ارْفُضُوهَا ذَمِیمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ
مَنْ کَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْکُمْ
أقول و هذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاویة و هی من کلام أمیر
المؤمنین علیه السلام الذی لا یشک فیه و أین الذهب من الرغام و العذب من
الأجاج و قد دل على ذلک الدلیل الخریت و نقده الناقد البصیر عمرو بن بحر
الجاحظ فإنه ذکر هذه الخطبة فی کتاب البیان و التبیین و ذکر من نسبها إلى
معاویة ثم قال هى بکلام علی علیه السلام أشبه و بمذهبه فی تصنیف الناس و
بالإخبار عما هم علیه من القهر و الإذلال و من التقیة و الخوف ألیق قال و
متى وجدنا معاویة فی حال من الأحوال یسلک فی کلامه مسلک الزهاد و مذاهب
العباد