و من خطبة له علیه السلام تعرف بخطبة الأشباح
و هی من جلائل خطبه و کان سائل سأله أن یصف الله له حتى کأنه یراه عیانا فغضب لذلک
رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ
علیهما السلام أَنَّهُ قَالَ خَطَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ
السَّلَامُ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرِ الْکُوفَةِ وَ ذَلِکَ
أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لَنَا
رَبَّنَا لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً وَ بِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ عَلَیْهِ
السَّلَامُ وَ نَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى
غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ
مُتَغَیِّرُ اللَّوْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ صَلَّى عَلَى
النَّبِیِّ صلى الله علیه واله ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَا
یَفِرُهُ الْمَنْعُ (وَ الْجُمُودُ) وَ لَا یُکْدِیهِ الْإِعْطَاءُ وَ
الْجُودُ إِذْ کُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَ کُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ
مَا خَلَاهُ وَ هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَ عَوَائِدِ
الْمَزِیدِ وَ الْقِسَمِ عِیَالُهُ الْخَلَائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ
قَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَ نَهَجَ سَبِیلَ الرَّاغِبِینَ إِلَیْهِ وَ
الطَّالِبِینَ مَا لَدَیْهِ وَ لَیْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ
بِمَا لَمْ یُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِی لَمْ یَکُنْ لَهُ قَبْلٌ فَیَکُونَ
شَیْءٌ قَبْلَهُ وَ الْآخِرُ الَّذِی لَیْسَ لهُ بَعْدٌ فَیَکُونَ
شَیْءٌ بَعْدَهُ وَ الرَّادِعُ أَنَاسِیَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ
تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِکَهُ مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَیَخْتَلِفَ
مِنْهُ الْحَالُ وَ لَا کَانَ فِی مَکَانٍ فَیَجُوزَ عَلَیْهِ
الِانْتِقَالُ وَ لَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ
وَ ضَحِکَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ اللُّجَیْنِ وَ
الْعِقْیَانِ وَ نُثَارَةِ الدُّرِّ وَ حَصِیدِ الْمَرْجَانِ مَا أَثَّرَ
ذَلِکَ فِی جُودِهِ وَ لَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَ لَکَانَ
عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْإِنْعَامِ مَا لَا تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ
الْأَنَامِ لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِی لَا یَغِیضُهُ سُؤَالُ
السَّائِلِینَ وَ لَا یُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّینَ فَانْظُرْ
أَیُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّکَ الْقُرْآنُ عَلَیْهِ مِنْ صِفَتِهِ
فَائْتَمَّ بِهِ وَ اسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ وَ مَا کَلَّفَکَ
الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَیْسَ فِی الْکِتَابِ عَلَیْکَ فَرْضُهُ وَ
لَا فِی سُنَّةِ النَّبِیِّ صلى الله علیه واله وَ أَئِمَّةِ الْهُدَى
أَثَرُهُ فَکِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِکَ
مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَیْکَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِینَ فِی
الْعِلْمِ هُمُ الَّذِینَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ
الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُیُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا
تَفْسِیرَهُ مِنَ الْغَیْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ اعْتِرَافَهُمْ
بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحِیطُوا بِهِ عِلْماً وَ سَمَّى
تَرْکَهُمُ التَّعَمُّقَ فِیمَا لَمْ یُکَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ
کُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِکَ وَ لَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ
اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِکَ فَتَکُونَ مِنَ الْهَالِکِینَ
هُوَ الْقَادِرُ الَّذِی إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِکَ
مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ وَ حَاوَلَ الْفِکْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ
الْوَسَاوِسِ أَنْ یَقَعَ عَلَیْهِ فِی عَمِیقَاتِ غُیُوبِ مَلَکُوتِهِ وَ
تَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَیْهِ لِتَجْرِیَ فِی کَیْفِیَّةِ صِفَاتِهِ وَ
غَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِی حَیْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ
لِتَنَالَ عِلْمَ ذَاتِهِ رَدَعَهَا وَ هِیَ تَجُوبُ مَهَاوِیَ سُدَفِ
الْغُیُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَیْهِ سُبْحَانَهُ فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ
مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا یُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ کُنْهُ
مَعْرِفَتِهِ وَ لَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِی الرَّوِیَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ
تَقْدِیرِ جَلَالِ عِزَّتِه الَّذِی ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَیْرِ
مِثَالٍ امْتَثَلَهُ وَ لَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَیْهِ مِنْ خَالِقٍ
مَعْبُودٍ کَانَ قَبْلَهُ وَ أَرَانَا مِنْ مَلَکُوتِ قُدْرَتِهِ وَ
عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِکْمَتِهِ وَ اعْتِرَافِ الْحَاجَةِ
مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ یُقِیمَهَا بِمِسَاکِ قُوَّتِهِ مَا دَلَّنَا
بِاضْطِرَارِ قِیَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَ ظَهَرَتْ فِى
الْبَدَائِعِ الَّتِی أَحْدَثَهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ وَ أَعْلَامُ
حِکْمَتِهِ فَصَارَ کُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَ دَلِیلًا عَلَیْهِ وَ
إِنْ کَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِیرِ نَاطِقَةٌ وَ
دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَکَ
بِتَبَایُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِکَ وَ تَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ
الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِیرِ حِکْمَتِکَ لَمْ یَعْقِدْ غَیْبَ ضَمِیرِهِ
عَلَى مَعْرِفَتِکَ وَ لَمْ یُبَاشِرْ قَلْبُهُ الْیَقِینَ بِأَنَّهُ لَا
نِدَّ لَکَ وَ کَأَنَّهُ لَمْ یَسْمَعْ تَبَرُّأَ التَّابِعِینَ مِنَ
الْمَتْبُوعِینَ إِذْ یَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ کُنَّا لَفِی ضَلالٍ
مُبِینٍ إِذْ نُسَوِّیکُمْ بِرَبِّ الْعالَمِینَ کَذَبَ الْعَادِلُونَ بِکَ
إِذْ شَبَّهُوکَ بِأَصْنَامِهِمْ وَ نَحَلُوکَ حِلْیَةَ الْمَخْلُوقِینَ
بِأَوْهَامِهِمْ وَ جَزَّءُوکَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ
وَ قَدَّرُوکَ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ
عُقُولِهِمْ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاکَ بِشَیْءٍ مِنْ خَلْقِکَ
فَقَدْ عَدَلَ بِکَ وَ الْعَادِلُ بِکَ کَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ
مُحْکَمَاتُ آیَاتِکَ وَ نَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِکَ وَ
أَنَّکَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِی لَمْ تَتَنَاهَ فِی الْعُقُولِ فَتَکُونَ
فِی مَهَبِّ فِکْرِهَا مُکَیَّفاً وَ لَا فِی رَوِیَّاتِ خَوَاطِرِهَا
مَحْدُوداً مُصَرَّفاً
منها قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْکَمَ تَقْدِیرَهُ وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ
تَدْبِیرَهُ وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ
مَنْزِلَتِهِ وَ لَمْ یَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَایَتِهِ وَ
لَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِیِّ عَلَى إِرَادَتِهِ وَ کَیْفَ
وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِیَّتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ
الْأَشْیَاءِ بِلَا رَوِیَّةِ فِکْرٍ آلَ إِلَیْهَا وَ لَا قَرِیحَةِ
غَرِیزَةٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ
الدُّهُورِ وَ لَا شَرِیکٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ
الْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَ
أَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ لَمْ یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِئِ وَ
لَا أَنَاةُ الْمُتَلَکِّئِ فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَوَدَهَا وَ
نَهَجَ حُدُودَهَا وَ لَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا وَ وَصَلَ
أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِی
الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَیْئَاتِ بَدَایَا
خَلَائِقَ أَحْکَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَ
ابْتَدَعَهَا
و منها فی صفة السماء وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِیقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَ
لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا وَ وَشَّجَ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ
أَزْوَاجِهَا وَ ذَلَّلَ لِلْهَابِطِینَ بِأَمْرِهِ وَ الصَّاعِدِینَ
بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ
هِیَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا وَ فَتَقَ بَعْدَ
الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ
الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا وَ أَمْسَکَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِی
خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَیْدِهِ وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً
لِأَمْرِهِ وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آیَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا و قَمَرَهَا
آیَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَیْلِ