و من خطبة له علیه السلام فی التوحید
و تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة غیرها
مَا وَحَّدَهُ مَنْ کَیَّفَهُ وَ لَا حَقِیقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ
وَ لَا إِیَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَ لَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ
إِلَیْهِ وَ تَوَهَّمَهُ کُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَ کُلُّ
قَائِمٍ فِی سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَابِ آلَةٍ مُقَدِّرٌ
لَا بِجَوْلِ فِکْرَةٍ غَنِیٌّ لَا بِاسْتِفَادَةٍ لَا تَصْحَبُهُ
الْأَوْقَاتُ وَ لَا تَرْفِدُهُ الْأَدَوَاتُ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ کَوْنُهُ
وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ الِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ بِتَشْعِیرِهِ
الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ لَهُ وَ بِمُضَادَّتِهِ بَیْنَ
الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَیْنَ
الْأَشْیَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِینَ لَهُ ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ
وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ وَ الْجُمُودَ بِالْبَلَلِ وَ الْحَرُورَ
بِالصَّرَدِ مُؤَلِّفٌ بَیْنَ مُتَعَادِیَاتِهَا مُقَارِنٌ بَیْنَ
مُتَبَایِنَاتِهَا مُقَرِّبٌ بَیْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا مُفَرِّقٌ بَیْنَ
مُتَدَانِیَاتِهَا لَا یُشْمَلُ بِحَدٍّ وَ لَا یُحْسَبُ بِعَدٍّ وَ
إِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَ تُشِیرُ الْآلَاتُ إِلَى
نَظَائِرِهَا مَنَعَتْهَا مُنْذُ الْقِدْمَةَ وَ حَمَتْهَا قَدُ
الْأَزَلِیَّةَ وَ جَنَّبَتْهَا لَوْ لَا التَّکْمِلَةَ بِهَا تَجَلَّى
صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَ بِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُیُونِ لَا
یَجْرِی عَلَیْهِ السُّکُونُ وَ الْحَرَکَةُ وَ کَیْفَ یَجْرِی عَلَیْهِ
مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ یَعُودُ فِیهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ وَ یَحْدُثُ فِیهِ
مَا هُوَ أَحْدَثَهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَ لَتَجَزَّأَ کُنْهُهُ
وَ لَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ وَ لَکَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ
وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ وَ لَالْتَمَسَ التَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ
وَ إِذاً لَقَامَتْ آیَةُ الْمَصْنُوعِ فِیهِ وَ لَتَحَوَّلَ دَلِیلًا
بَعْدَ أَنْ کَانَ مَدْلُولًا عَلَیْهِ وَ خَرَجَ بِسُلْطَانِ
الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ یُؤَثِّرَ فِیهِ مَا یُؤَثِّرُ فِی غَیْرِهِ
الَّذِی لَا یَحُولُ وَ لَا یَزُولُ وَ لَا یَجُوزُ عَلَیْهِ الْأُفُولُ
لَمْ یَلِدْ فَیَکُونَ مَوْلُوداً وَ لَمْ یُولَدْ فَیَصِیرَ مَحْدُوداً
جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ وَ طَهُرَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ
لَا تَنَالُهُ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ وَ لَا تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ
فَتُصَوِّرَهُ وَ لَا تُدْرِکُهُ الْحَوَاسُّ فَتَحُسَّهُ وَ لَا
تَلْمِسُهُ الْأَیْدِی فَتَمَسَّهُ وَ لَا یَتَغَیَّرُ بِحَالٍ وَ لَا
یَتَبَدَّلُ فِی الْأَحْوَالِ وَ لَا تُبْلِیهِ اللَّیَالِی وَ الْأَیَّامُ
وَ لَا یُغَیِّرُهُ الضِّیَاءُ وَ الظَّلَامُ وَ لَا یُوصَفُ بِشَیْءٍ
مِنَ الْأَجْزَاءِ وَ لَا بِالْجَوَارِحِ وَ الْأَعْضَاءِ وَ لَا بِعَرَضٍ
مِنَ الْأَعْرَاضِ وَ لَا بِالْغَیْرِیَّةِ وَ الْأَبْعَاضِ وَ لَا یُقَالُ
لَهُ حَدٌّ وَ لَا نِهَایَةٌ وَ لَا انْقِطَاعٌ وَ لَا غَایَةٌ وَ لَا
أَنَّ الْأَشْیَاءَ تَحْوِیهِ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْوِیهِ أَوْ أَنَّ
شَیْئاً یَحْمِلُهُ فَیُمِیلَهُ أَوْ یَعْدِلَهُ وَ لَیْسَ فِی
الْأَشْیَاءِ بِوَالِجٍ وَ لَا عَنْهَا بِخَارِجٍ یُخْبِرُ لَا بِلِسَانٍ
وَ لَهَوَاتٍ وَ یَسْمَعُ لَا بِخُرُوقٍ وَ أَدَوَاتٍ یَقُولُ وَ لَا
یَلْفِظُ وَ یَحْفَظُ وَ لَا یَتَحَفَّظُ وَ یُرِیدُ وَ لَا یُضْمِرُ
یُحِبُّ وَ یَرْضَى مِنْ غَیْرِ رِقَّةٍ وَ یُبْغِضُ وَ یَغْضَبُ مِنْ
غَیْرِ مَشَقَّةٍ یَقُولُ لِمَا أَرَادَ کَوْنَهُ کُنْ فَیَکُونُ لَا
بِصَوْتٍ یَقْرَعُ وَ لَا بِنِدَاءٍ یُسْمَعُ وَ إِنَّمَا کَلَامُهُ-
سُبْحَانَهُ- فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ لَمْ یَکُنْ مِنْ
قَبْلِ ذَلِکَ کَائِناً وَ لَوْ کَانَ قَدِیماً لَکَانَ إِلَهاً ثَانِیاً
لَا یُقَالُ کَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَکُنْ فَتَجْرِیَ عَلَیْهِ الصِّفَاتُ
الْمُحْدَثَاتُ وَ لَا یَکُونُ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهُ فَصْلٌ وَ لَا لَهُ
عَلَیْهَا فَضْلٌ فَیَسْتَوِیَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ وَ یَتَکَافَأُ
الْمُبْتَدَعُ وَ الْبَدِیعُ خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَى غَیْرِ مِثَالٍ
خَلَا مِنْ غَیْرِهِ وَ لَمْ یَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ
خَلْقِهِ وَ أَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَکَهَا مِنْ غَیْرِ اشْتِغَالٍ وَ
أَرْسَاهَا عَلَى غَیْرِ قَرَارٍ وَ أَقَامَهَا بِغَیْرِ قَوَائِمَ وَ
رَفَعَهَا بِغَیْرِ دَعَائِمَ وَ حَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَ
الِاعْوِجَاجِ وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الِانْفِرَاجِ أَرْسَى
أَوْتَادَهَا وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا وَ اسْتَفَاضَ عُیُونَهَا وَ خَدَّ
أَوْدِیَتَهَا فَلَمْ یَهِنْ مَا بَنَاهُ وَ لَا ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ هُوَ
الظَّاهِرُ عَلَیْهَا بِسُلْطَانِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ هُوَ الْبَاطِنُ
لَهَا بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ وَ الْعَالِی عَلَى کُلِّ شَیْءٍ
مِنْهَا بِجَلَالِهِ وَ عِزَّتِهِ لَا یُعْجِزُهُ شَیْءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ
وَ لَا یَمْتَنِعُ عَلَیْهِ فَیَغْلِبَهُ وَ لَا یَفُوتُهُ السَّرِیعُ
مِنْهَا فَیَسْبِقَهُ وَ لَا یَحْتَاجُ إِلَى ذِی مَالٍ فَیَرْزُقَهُ
خَضَعَتِ الْأَشْیَاءُ لَهُ وَ ذَلَّتْ مُسْتَکِینَةً لِعَظَمَتِه
تَسْتَطِیعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى غَیْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ
نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ وَ لَا کُفْءَ لَهُ فَیُکَافِئَهُ وَ لَا نَظِیرَ
لَهُ فَیُسَاوِیَهُ هُوَ الْمُفْنِی لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّى
یَصِیرَ مَوْجُودُهَا کَمَفْقُودِهَا وَ لَیْسَ فَنَاءُ الدُّنْیَا بَعْدَ
ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا وَ کَیْفَ وَ
لَوِ اجْتَمَعَ جَمِیعُ حَیَوَانِهَا مِنْ طَیْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا وَ
مَا کَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَ سَائِمِهَا وَ أَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَ
أَجْنَاسِهَا وَ مُتَبَلِّدَةِ أُمَمِهَا وَ أَکْیَاسِهَا عَلَى إِحْدَاثِ
بَعُوضَةٍ مَا قَدَرَتْ عَلَى إِحْدَاثِهَا وَ لَا عَرَفَتْ کَیْفَ
السَّبِیلُ إِلَى إِیجَادِهَا وَ لَتَحَیَّرَتْ عُقُولُهَا فِی عِلْمِ
ذَلِکَ وَ تَاهَتْ وَ عَجَزَتْ قُوَاهَا وَ تَنَاهَتْ وَ رَجَعَتْ
خَاسِئَةً حَسِیرَةً عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مُقِرَّةً
بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا
وَ إِنَّهُ یَعُودُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْیَا وَحْدَهُ لَا
شَیْءَ مَعَهُ کَمَا کَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا کَذَلِکَ یَکُونُ بَعْدَ
فَنَائِهَا بِلَا وَقْتٍ وَ لَا مَکَانٍ وَ لَا حِینٍ وَ لَا زَمَانٍ
عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِکَ الْآجَالُ وَ الْأَوْقَاتُ وَ زَالَتِ السِّنُونَ
وَ السَّاعَاتُ فَلَا شَیْءَ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ
الَّذِی إِلَیْهِ مَصِیرُ جَمِیعِ الْأُمُورِ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْهَا کَانَ
ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا وَ بِغَیْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا کَانَ فَنَاؤُهَا وَ
لَوْ قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا لَمْ یَتَکَاءَدْهُ
صُنْعُ شَیْءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَ لَمْ یَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ
مَا بَرَأَهُ وَ خَلَقَهُ وَ لَمْ یُکَوِّنْهَا لِتَشْدِیدِ سُلْطَانٍ وَ
لَا لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ نُقْصَانٍ وَ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ بِهَا
عَلَى نِدٍّ مُکَاثِرٍ وَ لَا لِلِاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ
وَ لَا لِلِازْدِیَادِ بِهَا فِی مُلْکِهِ وَ لَا لِمُکَاثَرَةِ شَرِیکٍ
فِی شِرْکِهِ وَ لَا لِوَحْشَةٍ کَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ
یَسْتَأْنِسَ إِلَیْهَا ثُمَّ هُوَ یُفْنِیهَا بَعْدَ تَکْوِینِهَا لَا
لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَیْهِ فِی تَصْرِیفِهَا وَ تَدْبِیرِهَا وَ لَا
لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَیْهِ وَ لَا لِثِقْلِ شَیْءٍ مِنْهَا عَلَیْهِ
لَا یُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَیَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا
لَکِنَّهُ- سُبْحَانَهُ- دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَ أَمْسَکَهَا
بِأَمْرِهِ وَ أَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ یُعِیدُهَا بَعْدَ
الْفَنَاءِ مِنْ غَیْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَیْهَا وَ لَا اسْتِعَانَةٍ
بِشَیْءٍ مِنْهَا عَلَیْهَا وَ لَا لِانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ
إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ وَ لَا مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَ عَمًى إِلَى عِلْمٍ
وَ الْتِمَاسٍ وَ لَا مِنْ فَقْرٍ وَ حَاجَةٍ إِلَى غِنًى وَ کَثْرَةٍ وَ
لَا مِنْ ذُلٍّ وَ ضَعَةٍ إِلَى عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ